التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ
١٠٩
إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
١١٠
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ
١١١
-المائدة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ }؛ ذهب قومٌ إلى أن العاملَ في { يَوْمٍ }: ما تقدَّم مِنْ قوله تعالى: { لاَّ يَهِدِّي }، وذلك ضعيفٌ، ورصْفُ الآيةِ وبراعَتُها إنما هو أنْ يكونَ هذا الكلامُ مستأنَفاً، والعاملُ مقدَّر، إما «اذكر»، أو: «تَذَكَّرُوا»، أو «ٱحْذَرُوا»، ونحو هذا ممَّا حَسُنَ ٱختصاره؛ لعِلْم السامعِ به، والإشارة بهذا اليوم إلى يومِ القيامةِ، وخُصَّ الرسلُ بالذكْر؛ لأنهم قادةُ الخَلْق، وهم المكلَّمون أوَّلاً، و { مَاذَا أَجَبْتُمُ }: معناه: ماذا أجابَتْكُمْ الأُمَمُ، وهذا السؤالُ للرُّسُل إنما هو لتقُومَ الحجة على الأممِ، واختلف الناسُ في معنى قولهم ـــ عليهم السلام ـــ: { لاَ عِلْمَ لَنَا }: قال الطبريُّ: ذُهِلُوا عن الجوابِ، لهولِ المَطْلَع؛ وقاله الحسنُ، وعن مجاهدٍ؛ أنه قال: يَفْزَعُون، فيقولُون: لا علْمَ لنا، وضعَّف بعضُ النَّاس هذا المنْزَع؛ بقوله تعالَىٰ: { { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء:103]، وقال ابنُ عبَّاس: معنى الآية: لاَ عِلْمَ لنا إلا ما علَّمتنا؛ أنْتَ أعلم به منَّا، وقولُ ابنِ عباس حَسَن، وهو أصوبُ هذه المناحِي؛ لأنه يتخرَّج على التسليم للَّه تعالَىٰ، وردِّ الأمر إلَيْه؛ إذ هو العالِمُ بجميعِ ذلك؛ على التَّفْصيل والكمالِ، فرأَوُا التسليمَ والخضوعَ لعلْمه المحيطِ سبحانه، قال مكِّيٌّ: قال ابنُ عباس: المعنَىٰ: لا علم لنا إلاَّ عِلمٌ أنت أعلَمُ به منَّا، وهو اختيار الطبريِّ، وقيل: لما كان السؤالُ عامًّا يقتضي بعمومه سؤالَهُم عَنْ سِرِّ الأمم وعلانِيَتِها، رَدُّوا الأمر إلَيْهِ؛ إذ ليس عندهم إلاَّ علْمُ الظاهر؛ قال مكِّيٌّ: وهذا القولُ أحبُّ الأقوالِ إلَيَّ، قال: ومعنى مسألة اللَّه الرُسلَ عمَّا أَجِيبُوا، إنما هو لمعنَى التوبيخِ لمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْه؛ كما قال تعالى: { { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } [التكوير:8]، انتهى من «الهداية».

وقوله تعالى: { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ... } الآية: { قَالَ } هنا بمعنى يَقُولُ؛ لأن ظاهر هذا القولِ أنه في القيامة؛ تقدمة لقوله سبحانه: { { ءَأَنْتَ قُلتَ لِلنَّاسِ } [المائدة:116].

وقوله سبحانه: { وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ }، أي: من قبورهم، وكفُّ بني إسرائيل عنه ـــ عليه السلام ـــ هو رَفْعُهُ حِينَ أحاطوا به في الَبيْتِ مع الحواريِّين، وكذلك مَنْعُه منْهم قَبْل ذلك إلَىٰ تلك النازلةِ الأخيرةِ، فهناك ظَهَر عِظَمُ الكَفِّ.

وقوله سبحانه: { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ }، هو مِنْ جملة تعديدِ النِّعمِ علَىٰ عيسَى ـــ عليه السلام ـــ: و { أَوْحَيْتُ }؛ في هذا الموضع: إما أن يكون وحْيَ إلهامٍ أَو وحْيَ أمْرٍ، وبالجملةِ فهو إلقاءُ معنًى في خفاءٍ، أوْصَلَهُ سبحانه إلَىٰ نفوسهم، كيف شاء، والرسولُ في هذه الآية: عيسَىٰ، وقولُ الحواريِّين: { وَٱشْهَدْ }: يحتملُ أن يكون مخاطبةً منهم للَّه سبحانه، ويحتملُ أنْ يكون لعيسَىٰ.