التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ
٢٠
يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ
٢١
قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ
٢٢
-المائدة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَـٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ... } الآية: المعنَىٰ: واذكُرْ لهم، يا محمَّد؛ على جهة إعلامهم بغيب كتبهم؛ ليتحقَّقوا نبوَّتك، ثمَ عَدَّدَ عيُونَ تلك النِّعم، فقال: { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ }: أي: حاطةٌ، ومنقذون من النار، وشَرَفٌ في الدنيا والآخرة، { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً }، أي: فيكم ملوكاً؛ لأن المُلْك شَرَفٌ في الدنيا، وحَاطَةٌ في نوائبها، { وَءَتَـٰكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ }، قال مجاهد: هو المَنُّ والسَّلْوَىٰ، والحَجَر، والغَمَام، وقال غيره: كثرة الأنبياء؛ وعلَىٰ هذا القول: فالعالَمُونَ على العموم، وعلى القول بأن المُؤْتَىٰ هو آيات موسَىٰ، فالعَالَمُونَ عالَمُ زمانهم؛ لأنَّ ما أوتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم من آيات اللَّه أكْثَرُ من ذلك، و { ٱلْمُقَدَّسَةَ } معناه: المطهَّرة، قال ابن عباس: هي الطُّور وما حوله، وقال قتادة: هي الشام، قال الطبريُّ: ولا يختلف أنَّها بيْنَ الفُرَاتِ وعريشِ مِصْرَ.

قال * ع *: وتظاهرت الرواياتُ؛ أنَّ «دِمَشْقَ» هي قاعدةُ الجَبَّارِينَ، ثم حذَّرهم موسى الارتداد على الأدبار، وذلك هو الرجوعُ القهقرَىٰ، والخاسرُ: الذي قد نقص حظُّه، ثم ذكر عز وجل؛ أنهم تعنَّتوا ونَكصُوا، قالوا يا موسى: { إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ }، والجَبَّار: من الجَبْر؛ كأنه لِقُدْرته وغَشْمه وبَطْشه يَجْبُرُ الناس علَىٰ إرادته، والنَّخْلَةُ الجُبَارَةُ: العاليةُ التي لا تُنَالُ بيدٍ، وكان من خبر الجَبَّارين؛ أنهم كانوا أهلَ قوَّة، فلما بعث موسَىٰ الإثْنَيْ عَشَرَ نقيباً مُطَّلِعِينَ من أمر الجبَّارين، وأحوالهم، رأَوْا لهم قوةٌ وبطْشاً وتخيَّلوا أن لا طاقة لهم بهم، فتعاقدوا بينهم علَىٰ أنْ يُخْفُوا ذلك مِنْ بني إسرائيل، وأنْ يعلموا به موسَىٰ؛ ليرَىٰ فيه أمر ربه، فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل، خان منهم عَشَرة، فعرَّفوا قراباتِهِمْ، ومَنْ وثِقُوا به، ففشا الخَبَر؛ حتى ٱعْوَجَّ أمْرُ بني إسرائيل، وقالوا: { ٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } [المائدة:24]، ولم يفِ مِنَ النُّقَبَاء إلا يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَكَالِبُ بْنُ يُوفَتَّا، ويقال فيه: «كَالُوث» (بثاء مثلَّثة).