التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٤
-المائدة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ }: سببُ نزولها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا أمر بقَتْل الكلابِ. سأله عاصمُ بنُ عَدِيٍّ وغيره، مَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الكِلابِ.

قال * ع *: وظاهر الآية أنَّ سائلاً سأل عمَّا يحلُّ للنَّاسِ من المَطَاعِمِ؛ لأنَّ قوله تعالَىٰ: { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتُ } ليس بجوابٍ عمَّا يحِلُّ للناسِ ٱتخاذُهُ من الكلاَبِ إلاَّ أنْ يكون مِنْ باب إجَابَةِ السائلِ بأكثر ممَّا سأَلَ عنه، وهو موجودٌ كثيراً من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والطَّيِّبُ: الحَلاَل.

وقوله سبحانه: { وَمَا عَلَّمْتُمْ }: أي: وصَيْدُ ما علَّمتم، قال الضَّحَّاك وغيره: { وَمَا عَلَّمْتُمْ مّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ }: هي الكلاَبُ خاصَّةٌ.

قال العِرَاقِيُّ في «مكلِّبين»: أصحاب أَكْلُبٍ لها مُعَلِّمين. انتهى، وأعلَىٰ مراتِبِ التَّعْلِيمِ، أنْ يُشْلى الحَيَوانُ فَيَنْشَلِي، ويُدْعَىٰ فَيُجِيب، ويُزْجَر بَعْد ظَفَرِهِ بالصَّيْد، فينزجر، وجوارِحُ: جمع جَارِحٍ، أي: كاسب، يقال: جَرَحَ فلانٌ، وٱجْتَرَحَ؛ إذا ٱكْتَسَبَ؛ ومنه قوله تعالى: { { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } [الأنعام:60]، أي: ما كَسَبْتُمْ مِنْ حسنةٍ وسيئةٍ.

قال * ع *: وقرأ جمهورُ النَّاس: { وَمَا عَلَّمْتُمْ } ـــ بفتح العين واللامِ ـــ، وقرأ ابنُ عبَّاس ومحمَّدُ بْنُ الحنفيَّة: «عُلِّمْتُمْ» ـــ بضم العين وكسر اللام ـــ: أي: من أمرِ الجوارحِ، والصَّيْدِ بِها، وقرأ جمهورُ النَّاس: «مُكَلِّبِينَ» ـــ بفتح الكاف وشَدِّ اللام ـــ، والمُكَلِّبُ: معلِّم الكلابِ، ومُضَرِّيَها، ويقال لِمَنْ يعلِّم غَيْرَ كَلْبٍ: مُكَلِّب؛ لأنه يَرُدُّ ذلك الحيوان كالكَلْبِ.

وقوله سبحانه: { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ }: أيْ: تعلمونَهُنَّ الحِيلَةَ في الاِصطياد، والتأتي لتحصيلِ الحيوانِ، وهذا جزءٌ مما علمَّه الإنسان، فـ «مِنْ»: للتبعيض.

وقوله تعالى: { فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ }: يحتملُ: ممَّا أمسكْنَ، فلم يأكلْنَ منه شيئاً، ويحتملُ: ممَّا أمسكْن، وإن أكلْنَ منه، وبحَسَبِ هذا الاحتمالِ اختلف العلماءُ في جواز أكْلِ الصيد، إذا أكل منه الجارحُ.

وقوله سبحانه: { وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ }: أمر بالتسمية عنْدَ الإِرسال، وذهب مالكٌ وجمهورُ العلماء؛ أنَّ التسمية واجبةٌ، مع الذِّكر، ساقطةٌ مع النِّسْيَان، فمن تركَهَا عامداً، فقد أفْسَدَ الذبيحةَ والصَّيدَ، ومن تَرَكها ناسياً، سمَّىٰ عند الأكْلِ، وكانَتِ الذبيحةُ جائزةً، وفِقْهُ الصيْدِ والذبْحِ في معنى التسميةِ ـــ واحدٌ.

ثم أمر سبحانه بالتقوَىٰ على الجُمْلة، والإشارة إلَىٰ ما تضمَّنته هذه الآياتُ مِنَ الأوامِرِ والنواهِي، وفي قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }: وعيدٌ وتحذيرٌ.