التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ
١٥٤
وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٥٥
أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ
١٥٦
أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ
١٥٧
-الأنعام

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { ثُمَّ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِي أَحْسَنَ }، { ثُمَّ }؛ في هذه الآية: إنما مُهْلَتها في ترتيب القولِ الذي أمر به نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ كأنه قال: ثم ممَّا قضَيْناه أنَّا آتينا موسَى الكتاب؛ ويدعو إلى ذلك أن موسى ـــ عليه السلام ـــ متقدِّم بالزمانِ على نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم وتلاوته ما حرَّم اللَّه، و { ٱلْكِتَـٰبَ }: التوراةُ، و { تَمَاماً }: مصدر، وقوله: { عَلَى ٱلَّذِي أَحْسَنَ }: مختلفٌ في معناه، فقالت فرقة: { ٱلَّذِي } بمعنى الَّذِينَ و { أَحْسَنَ }: فعلٌ ماضٍ صلَةُ «الذين»، وكأن الكلام: وآتينا موسَى الكتابَ تفضُّلاً على المحسنين من أهْل ملَّته، وإتماماً للنعمة عليهم، وهذا تأويل مجاهد؛ ويؤيِّده ما في مصحف ابْنِ مسعود: «تَمَاماً عَلَى الَّذِينَ أحْسَنُوا»، وقالت فرقة: المعنَىٰ: تماماً على ما أحْسَنَ هو مِنْ عبادة ربِّه، يعني: موسى ـــ عليه السلام ـــ وهذا تأويل الربيع وقتادة، وقالت فرقة: المعنى: تماماً على الذي أحسن اللَّه فيه إلى عباده من النبوُّات وسائر النعم؛ و { بِلَقَاء رَبِّهِمْ }، أي: بالبعث.

وقوله سبحانه: { وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }، { هَـٰذَا } إشارة إلى القرآن، و { مُّبَارَكٌ }: وصف بما فيه من التوسُّعات وأنواعِ الخَيْرات، ومعناه: مُنَمًّى خيره مُكثَّر، والبركةُ: الزيادةُ والنموُّ، { فَٱتَّبَعُوهُ }: دعاء إلى الدِّين، { وَٱتَّقَوْاْ }: أمر بالتقوَى العامَّة في جميع الأشياء؛ بقرينةِ قوله: { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }، و «أنْ» في قوله: { أَن تَقُولُواْ } في موضعِ نصبٍ، والعاملُ فيه: { أَنزَلْنَـٰهُ }، والتقدير: وهذا كتاب أنزلناه؛ كراهيةَ أنْ تقولوا، والطائفتان: اليهودُ والنصارَىٰ بإجماع المتأوِّلين، والدِّرَاسَة: القراءةُ والتعلُّم بها، ومعنى الآية: إزالة الحجة مِنْ أيدي قُرَيْشٍ وسائرِ العربِ، ولما تقرَّر أن البينة قد جاءَتْهم، والحجَّةَ قد قامَتْ عليهم ـــ حَسُنَ بعد ذلك أنْ يقع التقريرُ بقوله سبحانه: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا }، أيْ: حَادَ عنها، وزَاغَ، وأعرض، و { سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ }: وعيدٌ.