التفاسير

< >
عرض

قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ
٦٥
وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ
٦٦
لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
٦٧
-الأنعام

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالَىٰ: { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ... } الآية: هذا إخبارٌ يتضمَّن الوعيدَ، والأظهرُ مِنْ نَسَقِ الآياتِ: أنَّ هذا الخطابَ للكفَّار الذين تَقَدَّم ذكرهم، وهو مَذْهَبُ الطبريِّ.

وقال أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وجماعة: هو للمؤمِنِينَ، وهم المرادُ.

وهذا الاختلافُ إنما هو بحَسَبِ ما يَظْهَرُ منْ أنَّ الآية تتناوَلُ معانِيهَا المشركِينَ والمؤمنينَ؛ وفي «البخاريِّ» وغيره مِنْ حَدِيثِ جابرٍ وغيره: "أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لما نزلَتِ الآيةُ: { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ }، قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، فلما نزلَتْ: { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ }، قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، فلما نزلَتْ: { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال: هذه أهونُ أو أيَسر" ؛ فٱحتجَّ بهذا الحديثِ مَنْ قال: إنَّها نَزَلَتْ فِي المؤمنينَ، قال الطَّبريُّ وغيره: مُمْتَنِعٌ أنْ يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم تعوَّذ لأمَّته مِنْ هذه الأشياءِ الَّتي توعَّد بها الكُفَّار، وهَوَّنَ الثالثةَ؛ لأنَّها بالمعنَىٰ هي التي دعا فيها، فمنع حسب حديثِ «المُوطَّإ» وغيره، و { مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ }: لفظٌ عامٌّ للمنطبقِينَ علَىَ الإنسان، وقال السُّدِّيُّ، عن أبي مالِكٍ: { مِّن فَوْقِكُمْ }: الرَّجْم، { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ }: الخَسْف؛ وقاله سعيدُ بن جُبَيْر ومجاهد.

وقوله سبحانه: { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً }: معناه: يخلِّطكم فِرَقاً، والبأْسُ: القَتْل، وما أشبهه من المَكَارِهِ، وفي قوله تعالى: { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلأَيَـٰتِ }: استرجاعٌ لهم، وإنْ كان لفظها لَفْظَ تعجيب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فمضمَّنها أنَّ هذه الآياتِ والدلائلَ؛ إنما هي لاستصرافهم عن طريقِ غَيِّهم، والفِقْهُ: الفَهْمُ.

وقوله تعالى: { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ }، الضمير في { بِهِ } عائدٌ على القُرآن الذي فيه جاءَ تصريفُ الآياتِ؛ قاله السُّدِّيُّ، وهذا هو الظاهرُ، ويحتملُ أنْ يعود الضميرُ على الوَعِيدِ الذي تضمَّنَتْه الآيةُ، ونحا إليه الطبريُّ، وقوله: { قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ }: معناه: لسْتُ بمدفوعٍ إلى أخْذكم بالإيمان والهُدَىٰ، وهذا كان قَبْلَ نزول آياتِ الجهادِ والأمْرِ بالقتالِ، ثم نُسِخَ.

وقوله سبحانه: { لّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ }: أيْ: غايةٌ يعرف عنْدَها صِدْقُه من كَذبِه، و { سَوْفَ تَعْلَمُونَ }: تهديدٌ محْضٌ ووعيدٌ.