التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ
١٥٢
وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٥٣
وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ
١٥٤
وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ
١٥٥
-الأعراف

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا }، وقد وقع ذلك النَّيْلُ بهم في عَهْدِ موسَىٰ عليه السلام، فالغضبُ والذِّلَّة هو أمرهم بقَتْل أنفسهم، وقال بعض المفسِّرين: الذِّلَّة: الجِزْيَة، ووَجْه هذا القول أن الغضب والذِّلَّة بقيتْ في عَقِبِ هؤلاء، وقال ابن جُرَيْج: الإِشارةُ إِلَىٰ من مات من عَبَدة العجْل قبل التوبة بقَتْل الأنْفُس، وإِلى مَنْ فَرَّ، فلم يكُنْ حاضراً وقت القَتْلِ، والغَضَبُ من اللَّه عزَّ وجلَّ، إِن أخذ بمعنى الإِرادة، فهو صفةُ ذات، وإِن أُخِذ بمعنى العقوبةِ وإِحلالِ النِّقْمة، فهو صفةُ فِعْلٍ، وقوله: { وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ }، المرادُ أَولاً أولئك الَّذين افتَرْوا عَلَى اللَّه سبحانَهُ في عبَادة العِجْل، وتكونُ قوَّة اللفظ تَعُمُّ كُلَّ مفترٍ إلى يوم القيامة، وقد قال سفيان بن عُيَيْنَة وأبو قِلاَبة وغيرهما: كلُّ صاحب بدعة أو فِرْيَة، ذليلٌ؛ وٱستدلوا بالآية.

وقوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ... } الآية تضمَّنت وعداً بأن اللَّه سبحانه يغفرُ للتائبين؛ وقرأ معاوية بنُ قُرَّة «وَلَمَّا سَكَنَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ».

قال أبو حَيَّان: واللام في { لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } مُقَوِّية لوصولِ الفعْلِ، وهو { يَرْهَبُونَ } إلى مفعوله المتقدِّم.

وقال الكوفيُّون: زائدةٌ.

وقال الأخفشُ: لام المفعول له، أي: لأجْلِ ربِّهم. انتهى.

قلْتُ: قال ابنُ هِشَامٍ في «المُغْني» ولام التقْويَةِ هي المَزِيدَةُ لتقويةٍ عاملٍ ضَعُفَ؛ إِما لتأخيرٍ؛ نحو: { لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }، و { { إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف:43] أو لكَوْنِهِ فرعاً في العمل؛ نحو: { { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ } [البقرة:91] { { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [البروج:16]، وقد ٱجتمع التأخيرُ والفرعيةُ في: { { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَـٰهِدِينَ } [الأنبياء:78]. انتهى.

وقوله: { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ... } الآية: قال الفَخْرُ: قال جماعة النحوِّيين: معناه: وٱختارَ موسَىٰ مِنْ قومه، فحذف «مِنْ»، يقال: ٱخترْتُ مِنَ الرجالِ زيْداً، واخترْتُ الرجالَ زَيْداً. انتهى.

قال * ع *: معنى هذه الآية أَن موسىٰ عليه السلام اختار مِنْ قومه هذه العِدَّة؛ لَيَذْهَبَ بهم إِلى مَوْضِعِ عبادةٍ وابتهالٍ ودعاءٍ، فيكون منه ومنهم ٱعتذارٌ إِلى اللَّه سبحانه مِنْ خطإِ بني إِسرائيل في عبادةِ العِجْلِ، وقد تقدَّم في «سورة البقرة» [البقرة:51] قصصهم، قالتْ فرقة من العلماء: إِنَّ موسَىٰ عليه السلام لمَّا أعلمه اللَّه سبحانه بعبادة بني إِسرائيل العِجْلَ، وبصفته، قالَ موسَىٰ: أيْ ربِّ، ومَنْ اختاره؟ قَالَ: أنا، قال موسَىٰ: فأنْتَ، يا ربِّ، أضْلَلْتهُمْ، { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ } أيْ: إِنَّ الأمور بيدك تفْعلُ ما تريدُ.