التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
١٨٤
أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
١٨٥
مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
١٨٦
-الأعراف

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ... } الآية: تقريرٌ يقارنه توبيخٌ للكُفَّار، والوَقْف على قوله: { أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ }، ثم ابتدأ القولَ بنَفْي ما ذكروه، فقال: { مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ } أي: بمحمَّد صلى الله عليه وسلم، ويحتملُ أنْ يكون المعنَىٰ: أو لم يتفكَّروا أنه ما بصاحبهم مِنْ جِنَّةٍ، ويظهر مِنْ رصف الآية أنها باعثةٌ لهم على الفِكْرة في أَمره صلى الله عليه وسلم وأنه ليس به جنَّةٌ كما أحالهم بعد هذه الآية على النَّظَرْ.

وقال الفَخْر: قوله تعالَى: { أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ } أمر بالفِكْرِ والتأمُّل والتدُّبر، وفي اللفظ محذوفٌ، والتقدير: أو لم يتفكروا فيعلَمُوا مَا بِصَاحِبهمْ منْ جِنَّة، والجِنَّة: حالَةٌ مِنَ الجُنُون، كَالجِلْسَةِ، ودخولُ «مِنْ» في قوله: { مِّن جِنَّةٍ } ينفي أنواع الجنون. انتهى.

وقوله سبحانه: { أَوَ لَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ... } الاية: النَّظَرُ هنا بالقَلْب عِبْرَة وفكراً، و{ مَلَكُوتِ }: بناءُ عظمةٍ ومبالغةٍ.

وقوله: { وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ }: لفظٌ يعمُّ جميع ما ينظر فيه، ويستدلُّ به من الصنعة الدالَّة على الصانع، ومِنْ نَفْس الإِنسان وحواسَّه ومواضِعِ رزْقه، والشَّيْءُ: واقعٌ على الموجودات، { وَأَنْ عَسَى }: عطْفٌ على قوله: { فِي مَلَكُوتِ }، والمعنى: توقيفُهُمْ علَى أنْ لم يَقَعْ لهم نَظَرٌ في شيء من هذا، ولا في أنهم قَرُبَتْ آجالُهُمْ، فماتُوا فَفَاتَ أوانُ التدَارُكِ، ووجَبَ عليهم المحذورُ، ثم وقفهم «بِأَيِّ حديثٍ» أو أمْرٍ يقعُ إيمانُهم وتَصْدِيقُهم؛ إِذا لم يقع بأمْرٍ فيه نجاتُهم، ودخولُهم الجَنَّةَ؛ ونحو هذا المعنى قولُ الشاعر: [الطويل]

...................وَعنْ أَيّ نَفْسٍ دُونَ نَفْسِي أُقَاتِلُ

والضمير في { بَعْدَهُ } يراد به القُرْآن.

وقيل: المراد به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقصَّتُهُ وأمْرُهُ أجْمَعَ، وقيل: هو عائد على الأجَلِ، أي: بعد الأجل، إِذ لا عَمَلَ بعد الموت.

وقوله سبحانه: { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ... } الآية: هذا شرطٌ وجوابٌ، مضمَّنه اليأْسُ منهم، والمَقْتُ لهم؛ لأن المراد أَنَّ هذا قد نزل بهم، والطغيان: الإفراطُ في الشيء، وكأنه مستعملٌ في غير الصَّلاح، والعَمَهُ: الحَيْرَةُ.