التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٢٠٣
وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
٢٠٤
-الأعراف

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِـآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا }، سببها فيما رُوِيَ أن الوَحْيَ كان يتأخَّر أحياناً، فكان الكُفَّار يقولون: هَلاَّ ٱجتبيْتَهَا، أي: ٱخترتها، فأمره اللَّه عزَّ وجلَّ؛ أنْ يجيب بالتسْلِيمِ للَّه، وأَنَّ الأمر في الوحْي إِليه ينزِّله متى شاء، ثم أشار بقوله: { هَـٰذَا بَصَـائِرُ } إلى القرآن، أي: علاماتُ هُدًى، وأنوارٌ تستضيء القلوبُ به.

وقوله سبحانه: { وَإِذَا قُرِىء ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }، ذكر الطبريُّ وغيره؛ أَن أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم كانوا بمكَّةَ يتكلَّمون في المكتوبةِ بحوائجهم، فنزلتِ الآية أمْراً لهم بالاستماع وٱلإنصاتِ في الصَّلاة، وأما قولُ من قال: إِنها في الخُطْبة، فضعيفٌ، لأن الآية مكِّيَّة، والخُطْبَة لم تُكنْ إِلا بعد الهِجْرة، وألفاظ الآية على الجملة تتضمَّن تعظيم القُرْآن وتوقيرَهُ، وذلك واجبٌ في كل حالة، والإِنصاتُ: السكوتُ.

قال الزجَّاج: ويجوز أن يكون: { فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ }، أي: ٱعملوا بما فيه، ولا تجاوزوه.

قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه»: روى الترمذيُّ، وأبو داود، عن عُبَادَة بْنِ الصَّامِتِ، قال: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ القِرَاءَةُ، فَلَمَّا ٱنْصَرَفَ، قَالَ: إِنَّي لأَرَاكُمْ تَقْرَؤونَ وَرَاءَ إمامكم، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أيْ وَاللَّهِ، فَقَالَ: لاَ تَفْعَلُوا إِلاَّ بِأُمِّ القُرْآنِ؛ فإِنَّه لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا" "وقد رَوَى الناسُ في قراءة المأمومين خَلْفَ الإِمام بفاتحةِ الكِتَاب أحاديثَ كثيرةً، وأعظمهم في ذلك ٱهتبالاً الدارقطنيُّ، وقد جمع البخاريُّ في ذلك جزءًا، وكان رَأْيُهُ قراءةَ الفَاتحَةِ خلْفَ الإِمامِ في الصلاة الجهريَّة، وهي إِحدى روايات مالكٍ، وهو اختيارُ الشافعيِّ. انتهى، وقد تقدَّم أول الكتابِ ما اختاره ابنُ العَرَبِيّ.