التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ
٩٤
ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٩٥
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٩٦
-الأعراف

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَاءِ وَٱلضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } أخبر سبحانه أنَّه ما بعث نبيًّا في قرية، وهي المدينةُ إِلاَّ أخذ أهلها المكذِّبين له { بِٱلْبَأْسَاءِ }؛ وهي المصائبُ في المال، وعوارضُ الزَّمَن { والضَّرَّاءِ } وهي المصائبُ في البدن؛ كالأمراض ونحوها، { لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ }، أي: ينقادون إلى الإِيمان، وهكذا قولهم: الحُمَّى أَضْرَعَتْنِي لَكَ، { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ }، وهي البأساءُ والضرَّاءُ { ٱلْحَسَنَةَ }، وهي السرَّاء والنِّعمة { حَتَّىٰ عَفَواْ }: معناه: حتىٰ كَثُرُوا، يقال: عَفَا النباتُ والرِّيشُ؛ إِذا كَثُر نباتُهُ؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "أحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأعْفُوا اللِّحَىٰ" ولما بدَّل اللَّه حالهم بالخَيْر؛ لُطْفاً بهم فَنَمْوا، رأوا أن إِصابة الضَّرَّاء والسَّرَّاء إنما هي بالاتِفاق، وليستْ بقَصْد؛ كما يخبر به النبيُّ، واعتقدوا أنَّ ما أصابهم مِنْ ذلك إِنما هو كالاتفاق الذي كان لآبائهم، فجعلوه مثالاً، أي: قد أصاب هذا آباءنا، فلا ينبغي لنا أنْ نُنْكَره، ثم أخبر سبحانه؛ أنه أخذ هذه الطوائفَ الَّتي هذا معتَقَدُها، وقوله: { بَغْتَةً } أي: فجأَةً وأخْذَةَ أَسَفٍ، وبَطْشاً؛ للشقاء السابق لهم في قديم علمه سبحانه.

وقوله تعالىٰ: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ }، أي: مِنْ بركاتِ المطرِ والنباتِ، وتسخير الرياحِ والشمْسِ والقمر في مصالح العبادِ؛ وهذا بحَسَب ما يدركُه نَظَر البشر، وللَّه سبحانه خُدَّامٌ غير ذلك لا يُحْصَىٰ عددهم، وما في عِلْم اللَّه أكْثَرُ.