التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
٣٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ
٣٦
-الأنفال

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً } المُكَاء: الصَّفير؛ قاله ابن عباس والجمهورُ، والتصدية: عبَّر عنها أكْثَرُ النَّاس؛ بأنها التصفيقُ، وذهب أكثر المفسِّرين إِلى أَن المُكَاء والتَّصْدية إِنَّما أحدثهما الكُفَّار عند مبعث النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِتَقْطَعَ عليه وعلى المؤمنين قراءَتَهم وصلاتَهم، وتخلطَ عليهم، فلما نفى اللَّه تعالى وِلاَيتهم للبَيْت، أمْكَنَ أن يعترض منهم معترضٌ بأنْ يقول: وكيف لا نَكُونُ أولياءه، ونحن نَسْكُنُهُ، ونصلِّي عنده؛ فقطع سبحانه هذا ٱلاعتراضَ بأنْ قال: وما كان صلاتهم عند البيت إِلا المكاءً والتَّصْدية.

قال * ع *: والذي مَرَّ بي من أمر العرب في غير ما دِيوَان؛ أنَّ المكاء والتصدية كانا مِنْ فعل العرب قديماً قبل الإِسلام علَى جهة التقرُّب به والتشرُّع؛ وعلَى هذا يستقيم تغييرُهُم وتنقُّصهم بأَن شرعهم وصلاتهم لم تَكُنْ رهبةً ولا رغبةً، وإِنما كانَتْ مكاءً وتصديةً من نوع اللعب، ولكنَّهم كانوا يتزيَّدون فيهما وقْتَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليشغلوه هو وأمته عن القراءة والصَّلاة.

وقوله سبحانه: { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ... } الآية: إِشارةٌ إِلى عذابهم ببَدْرٍ بالسيف؛ قاله الحسن وغيره؛ فيلزم أن هذه الآية الآخِرَةَ نزلَتْ بعد بَدْرٍ، ولا بدَّ.

قال * ع *: والأشبه أنَّ الكلَّ نزل بعد بَدْرٍ؛ حكايةً عما مضَى.

وقوله سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ... } الآية: لما قُتِلَ من قُتِلَ ببدر، ٱجتمع أبناؤهم وقراباتهم، فقالوا لِمَنْ خَلُصَ ماله في العِيرِ: إِن محمَّداً قد نال منَّا ما تَرَوْنَ، ولكنْ أعينونا بهذا المال الذي كانت سَبَبَ الوَقعَةِ، فلعلَّنا أنْ ننال منه ثأراً، يريدون نفقته في غَزْوَةَ أَحُدٍ.

وقوله سبحانه: { فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ }، الحَسْرة: التلهُّف على فائتٍ، وهذا من أخبار القرآن بالغيوب قبل أن تكون، فكان كما أخبر، ثم أخبر سبحانه عن الكافرين، وأنهم يُجْمَعُونَ إِلى جهنَّم، والحَشْر: الجمع.