وقوله سبحانه: { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ }، هذه الآية في المنافقين المتخلِّفين في غزوة تَبُوكَ، وكَشْفِ ضمائرهم، وأما الآيات التي قبلها، فعامَّة فيهم وفي غيرهم، والمعنى: لو كان هذه الغزوَ لِعَرَضٍ، أي: لمال وغنيمةٍ تنالُ قريباً؛ بسَفرٍ قاصدٍ يسيرٍ، لبادروا لا لوجه اللَّه، { وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } وهي المسافةُ الطويلة.
وقوله: { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ }، يريد: المنافقينَ، وهذا إِخبار بغَيْب.
وقوله عز وجل: { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ }، هذه الآيةُ هي في صِنْفٍ مُبَالِغٍ في النفاق، ٱستأذنوا دون ٱعتذارٍ، منهم: الجَدُّ بْنُ قَيْسٍ وَرِفَاعَةُ بْنُ التأبوت وَمنِ اتبعهم؛ قال مجاهدٌ: وذلك أَنَّ بعضهم قال: نَسْتَأْذنه، فإِن أَذِنَ في القعودِ قعدنا، وَإِلاَّ قعدنا، وقَدَّم له العَفْوَ قبل العتاب: إِكراماً له صلى الله عليه وسلم، وقالت فرقة: بل قوله سبحانه { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ }: ٱستفتاحُ كلامٍ كما تقولُ: أصْلَحَكَ اللَّهُ، وأَعَزَّكَ اللَّهُ، ولم يكنْ منه عليه السلام ذَنْبٌ يعفَى عنه؛ لأن صورة ٱلاستنفار وقَبُول الأَعْذَار مصروفةٌ إِلى ٱجتهاده.
وقوله: { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ }، يريد: في ٱستئذانك، وأنك لو لم تأذن لهم، خرجوا معك.
وقوله: { وَتَعْلَمَ ٱلْكَـٰذِبِينَ }، أي: بمخالفتكَ، لَوْ لم تأذن؛ لأنهم عَزَمُوا على العِصْيَان، أذنتَ لهم أو لم تأذن، وقال الطبريُّ: معناه: حتى تعلم الصَّادقين؛ في أَنَّ لهم عُذْراً، والكاذبين، في أن لا عُذْرَ لهم، والأول أصْوبُ، واللَّه أعلم، وأمَّا قوله سبحانه: في سورة:
{ { فَإِذَا ٱسْـتَئْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ... } [النور:62] الآية، ففي غزوة الخندَقِ نزلَتْ: { وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ }، أيْ: شكَّت و{ يَتَرَدَّدُونَ }، أي: يتحيَّرون؛ إِذ كانوا تخطر لهم صِحَّة أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم أحياناً، وأنه غير صحيحٍ أحياناً، فهم مذبذبُونَ.