التفاسير

< >
عرض

فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ
٣٦
-البقرة

اللباب في علوم الكتاب

المفعول في قوله: "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطََانُ" واجب التقديم، لأنه ضمير متّصل، والفاعل ظاهر، وكل ما كان كذا فهذا حكمه.
وقرأ "حمزة": "فأَزَالَهُما" والقراءتان يحتمل أن تكونا بمعنى واحد، وذلك أن قراءة الجماعة "أزلهما" يجوز أن تكون من "زَلَّ عَنِ المَكَانِ": إذا تنحى عنه، فتكون من الزوال كقراءة "حمزة"، ويدل عليه قول امرىء القيس: [الطويل]

404- كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عَنْ حَالِ مَتْنِهِ كَمَا زَلَّتِ الصَّفْوَاءُ بِالمُتَنَزَّلِ

وقال أيضاً: [الطويل]

405- يَزِلُّ الغُلاَمُ الخِفُّ عَنْ صَهَوَاتِهِ وَيُلْوِي بِأَثْوَابِ العَنِيفِ المُثَقَّلِ

فرددنا قراءة الجماعة إلى قراءة "حمزة"، أو نرد قراءة "حمزة" إلى قراءة الجماعة بأن نقول: معنى أزالهما: أي صرفهما عن طاعة الله، فأوقعهما في الزَّلَّة؛ لأن إغواءه وإيقاعه لهما في الزَّلَّة سبب للزوال، ويحتمل أن تفيد كل قراءة معنى مستقلاًّ، فقراءة الجماعة تؤذن بإيقاعهما في الزَّلَّة، فيكون "زلّ" بمعنى: استزلّ، وقراءة "حمزة" تؤذن بتنحيتهما عن مكانهما، ولا بُدَّ من المجاز في كِلْتَا القراءتين، لأن الزَّلَلَ أصله من زلّة القدم، فاستعمل هنا في زلّة الرأي والتنحية لا يقدر عليها الشَّيطان، وإنما يقدر على الوسوسة التي هي سبب التنحية.
و "عنها" متعلّق بالفعل قبله، ومعنى "عن" هنا السَّببية إن أعدنا الضمير على "الشجرة" أي: أوقعهما في الزَّلَّة بسبب الشجرة.
قال "الزَّمخشري" لفظة "عن" في هذه الآية كما في قوله:
{ { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } [الكهف: 82].
ويجوز أن تكون على بابها من المُجاوزة إن عاد الضمير على "الجنّة"، وهو الأظهر، لتقدّم ذكرها، وتجيء عليه قراءة "حمزة" واضحة، ولا تظهر قراءته كلّ الظُهور على كون الضمير لـ "الشجرة".
قال "ابن عطيّة" فأما من قرأ "أزالهما" فإنه يعود على "الجنة" فقط.
وقيل: الضَّمير للطاعة، أو للحالة، أو للسماء، وإن لم يجر لهما ذكر لدلالة السياق عليهما. وهذا بعيد جدًّا.
فإن قيل: إن الله - تعالى - قد أضاف الإزْلاَل إلى "إبليس" فلم عاتبهما على ذلك الفعل؟
والجواب: أن قوله: "فأزلهما" أنهما عند وَسْوَسَتِهِ أتيا بذلك الفعل، وأضيف ذلك إلى "إبليس" كما في قوله:
{ { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } [نوح: 6] قال تعالى حاكياً عن إبليس: { { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } [إبراهيم: 22]، هذا قول المعتزلة، والتحقيق في هذه الإضافة ما ذكرناه، وهو أن القادر على الفعل والترك مع التَّسَاوي يستحيل أن يكون موجداً لأحد هذين الأمرين إلا عند انضمام الدَّاعي إليه، والدَّاعي في حَقّ العبد عبارة عن علم أو ظن، أو اعتقاد بكون الفعل مشتملاً على مصلحةٍ، فإذا حصل ذلك العلم أو الظن بسبب منبّه نبه عليه كان الفعل مضافاً إلى ذلك المنبّه؛ لأنه هو الفاعل لما لأجله صار الفَاعِلُ بالقوة فاعلاً بالفعل، فهكذا المَعْنَى انضاف - ها هنا - إلى الوسوسة.
فإن قيل: كيف كانت الوَسْوَسَةُ؟
فالجواب: هي التي حكى الله عنها في قوله:
{ { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [الأعراف: 20] فلم يقبلا ذلك منه، فلما أيس عدل إلى اليمين على ما قال تعالى: { { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21] فلم يصدقاه.
والظاهر أنه بعد ذلك عَدَلَ إلى شيء آخر، وهو أنه شغلهما باستيفاء اللَّذَّات المُبَاحة حتى صارا مستغرقين فيها، فَحَصَلَ بسبب استغراقهما فيها نِسْيَان النهي، فعند ذلك حصل ما حصل، والله أعلم.
فصل في بيان كيف وسوس إبليس لآدم
اختلفوا في أنه كيف تمكّن إبليس من وَسْوَسَةِ آدم عليه الصلاة والسلام مع أن إبليس كان خارج الجنّة، وآدم عليه الصَّلاة والسَّلام داخل الجنّة؟ وذكروا فيه وجوهاً:
أحدها: ما روي عن وهب بن منبّه والسدي عن ابن عباس وغيره: أن إبليس أراد دخول الجنة، فمنعته الخزنة، فأتى الحية بعد ما عرض نفسه على سائر الحيوانات فما قبله واحد من الحيوانات، فابتلعته الحية وأدخلته الجَنَّة خفية من الخَزَنَةِ، فلما دخلت الحَيّة الجنة خرج إبليس من فيها واشتغل بالوَسْوَسَةِ، فلا جرم لعنت الحَيّة، وسقطت قوائمها، وصارت تمشي على بطنها، وجعل رزقها في التراب، وصارت عدواً لبني آدم، وأمرنا بقتلها في الحِلّ والحَرَمِ.
قال ابن الخطيب: وهذا وأمثاله يجب ألا يلتفت إليه؛ لأن إبليس لو قدر على الدخول في فَمِ الحيّة فلم لم يقدر على أن يجعل نفسه حَيّة ثم يدخل الجَنّة؟ ولأن الحية لو فعلت ذلك، فلم عوقبت مع أنها ليست بعاقلة ولا مكلفة؟ وأيضاً فلما خرج من بطنها صارت في الجنة كانت الملائكة والخزنة يرونه.
وثانيها: أن "إبليس" دخل الجَنَّة في صورة دَابّة، وهذا القول أقلّ فساداً من الأول.
وثالثها: قال بعض أَهْل الأصول: لعلّ آدم وحَوّاء - عليهما السلام - كانا يخرجان إلى باب الجنة، وإبليس كان بقرب الماء يُوَسْوِسُ لهما.
ورابعها: قال الحسن: كان إبليس في الأرض، وأوصل الوَسْوسَةَ إليهما في الجنّة.
قال بعضهم: هذا بعيد؛ لأن الوسوسة كلام خفيّ، والكلام الخفيّ لا يمكن إيصاله من الأرض إلى السَّماء.
واختلفوا في أن "إبليس" باشر خطابهما، أو أوصل الوسوسة إليهما على لسان بعض أتباعه.
حجّة الأول: قوله تعالى:
{ { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21]وذلك يقتضي المُشَافهة، وكذا قوله: { { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } [الأعراف: 22].
وحجّة الثاني: أن آدَمَ وحواء - عليهما الصَّلاة والسَّلام - كان يعرفانه، ويعرفان ما عنده من العداوة والحَسَد، فيستحيل في العادة أن يقبلا قوله، فلا بد وأن يكون المباشر للوسوسة بعض أتباع إبليس.
وقد يُجَاب عن هذا بأن إبليس لما خالف أمر ربّه ولعن لعلّه انتقل من تلك الصورة التي يُعْرَفُ بها إلى صورة أخرى، ولعلّ إبليس تشكّل لهما في صورة لا يعرفانها، فإن له قدرة التشكل، والله أعلم.
فصل في بيان أن آدم عصى ربه ناسياً
اختلفوا في صدور ذلك الفعل عن آدم - عليه الصلاة والسّلام - بعد النبوة، هل فعله ناسياً أو ذاكراً؟
قال طائفة من المتكلّمين: فعله ناسباً، واحتجوا بقوله تعالى:
{ { فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115] ومثلوه بالصَّائم إذا أكل ناسياً، وهذا باطل من وجهين:
الأول: قوله تعالى:
{ { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } [الأعراف: 20].
وقوله:
{ { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21] يدلّ على أنه ما نسي النهي حال الإقدام.
الثاني: أنه لو كان ناسياً لما عوتب على ذلك الفعل.
أما من حيث العقل فلأن الناسي غير قادر على الفعل فلا يكون مكلفاً به لقوله تعالى:
{ { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة: 286].
وأما من حيث النقل فلقوله عليه الصلاة والسلام:
"رُفعَ عَنْ أمّتِي الخَطَأُ والنِّسْيَانُ" .
وقد يجاب عن الأول بأنا لا نسلّم أن آدم وحواء - عليهما الصلاة والسلام - قَبِلاَ من إبليس ذلك الكلام وصَدّقاه؛ لأنهما لو صدقاه لكانت معصيتهما في ذلك التصديق أعظم من أكل الشَّجرة؛ لأن إبليس لما قال لهما: { { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } [الأعراف: 20] الآية فقد ألقى إليهما سوء الظَّن بالله - تعالى - ودعاهما إلى ترك التَّسْليم لأمره، والرضا بحكمه، وأن يعتقدا فيه كون إبليس ناصحاً لهما، وأن الرب - تَعَالَى - قد غشهما ولا شك أن هذه الأشياء أعظم من أكل الشجرة، فوجب أن تكون المُعَاتبة في ذلك أشد، وأيضاً آدم - عليه الصلاة والسلام - كان عالماً بتمرد "إبليس"، وكونه مبغضاً له وحاسداً له، فكيف يجوز من العاقل أن يقبل قول عدوّه مع هذه القرائن، وليس في الآية أنهما أقدما على ذلك الفعل عند ذلك الكلام.
وأما الجواب الثاني: فهو أن العتاب إنما حصل على قلّة التحفُّظ من أسباب النسيان، وهذا الضرب من السَّهو موضوع عن المسلمين، وقد كان يجوز أن يؤاخذوا به، وليس بموضوع عن الأنبياء لعظم خَطَرِهِمْ ومثّلوه بقوله:
{ { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [الأحزاب: 32]، ثم قال: { { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } [الأحزاب: 30].
وقال عليه الصلاة والسلام:
"أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً الأنبياءُ ثم الأوْلِيَاءُ ثم الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ" ، ولقد كان على النبي صلى الله عليه وسلم من التَّشْديدات في التَّكليف ما لم يَكُن على غيره.
وذكر بعض المفسّرين أن حوّاء سقته الخَمْرَ، فسكر وفي أثناء السّكر فعل ذلك قالوا وهذا ليس ببعيد؛ لأنه - عليه الصَّلاة والسَّلام - كان مأذوناً له في تناول كل الأشياء سوى تلك الشجرة، فكان مأذوناً له في تناول الخمر، ولقائل أن يقول: إن خمر الجَنَّة لا يسكر لقوله تعالى في صفة خمر الجنة:
{ { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } [الصافات: 47].
القول الثاني: أن آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - فعله عامداً؛ فها هنا قولان:
أحدهما: أن ذلك النهي نهي تَنْزِيِهٍ، لا نهي تحريم، وقد تقدم.
الثاني: أنه تعمّد وأقدم على الأكل بسبب اجتهاد أخطأ فيه، وذلك لا يقتضي كون الذَّنْبِ كبيرة، وهذا اختيار أكثر المعتزلة.
وبيان خطأ الاجتهاد أنه لما قيل له:
{ { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } [الأعراف: 19] فلفظ "هذه" يشار به إلى الشَّخص، وقد يشار به إلى النوع، كما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - أخذ حريراً وذهباً بيده وقال: "هَذَانِ حَلاَلٌ لإنَاثِ أمّتِي حَرَامٌ على ذُكُورِهَا" وأراد به نوعهما، وتوضأ مرة وقال: "هذا وُضُوءٌ لا يقبل الله الصَّلاَةَ إلاَّ به" وأراد نوعه، فلما سمع آدم - عليه الصلاة والسلام - قوله: { ولا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } ظنّ أن النهي إنما يتناول تلك الشجرة المعينة، فتركها وتناول من شجرة أخرى من ذلك النوع، فكان مخطئاً في ذلك الاجتهاد؛ لأن مراد الله - تعالى - النهي عن النوع لا عن الشخص.
والاجتهاد في الفروع إذا كان خطأً لا يوجب استحقاق العقاب لاحتمال كونه صغيرةً مغفورة كما في شرعنا.
فإن قيل: الكلام على هذا القول من وجوه:
أحدها: أن كلمة "هذا" في أصل اللغة للإشارة إلى الشَّيء الحاضر، وهو لا يكون إلا شيئاً معيناً، فإن أشير بها إلى النوع، فذاك على خلاف الأصل، وأيضاً فأنه - تعالى - لا تجوز الإشارة عليه، فوجب أن يكون أمر بعض الملائكة بالإشَارَةِ إلى ذلك الشَّخص، فكان ما عداه خارجاً عن النهي لا مَحَالة، وإذا ثبت هذا فالمجتهد مكلف يحمل اللفظ على حقيقته، فآدم - عليه الصلاة والسلام - لما حمل لفظ "هذه" على المُعَيّن كان قد فعل الواجب، ولا يجوز له حمله على النوع، وهذا متأيد بأمرين:
أحدهما: أن قوله:
{ { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا } [البقرة: 35] أفاد الإذْنَ في تناول كل ما في الجنّة إلا ما خصه الدليل.
والثاني: أن العقل يقتضي حلّ الانتفاع بجميع المَنَافِع إلاَّ ما خصّه الدليل، والدليل المخصص لم يدلّ على ذلك المعيّن، وإذا ثبت هذا امتنع أن يستحقّ بسبب تناول غيره وإن كان من ذلك النوع المنهي عنه عتاباً، فوجب على هذا أن يكون مصيباً لا مخطئاً.
الاعتراض الثاني: هب أن لفظة "هذه" مترددة بين الشخص والنوع، ولكن هل قرن الله بهذا اللَّفْظ ما يدلّ على أن المراد منه النوع دون الشخص أو لا؟
فإن قرن به، فإما أن يقال: إن آدم - عليه الصلاة والسلام - قصر في معرفة ذلك البيان، فحينئذ يكون قد أتى بالذَّنب وإن لم يقصر بل عرفه، فحينئذ يكون إِقْدَامه على التَّناول من شَجَرة من ذلك النوع إقداماً على الذنب قصداً.
الاعتراض الثالث: أن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لا يجوز لهم الاجْتِهَادُ؛ لأن الاجتهاد إقدام على العمل بالظنّ وذلك إنما يجوز في حَقّ من لا يتمكن من تحصيل العلم، أمّا الأنبياء فإنهم قادرون على تَحْصِيلِ اليقين، فوجب ألا يجوز لهم الاجتهاد؛ لأن الاكتفاء بالظن مع القدرة على تحصيل اليقين غير جائز عقلاً وشرعاً، وذا ثبت ذلك ثبت أن الإقدام على الاجتهاد معصية.
الاعتراض الرابع: هذه المسألة إما أن تكون من المَسَائل القَطْعية أو الظنية، فإن كانت من القطعيات كان الخطأ فيها كبيراً، وحينئذ يعود الإشكال، وإن كانت من الظَّنيات فإن قلنا: إن كل مجتهد مصيب فلا يتحقّق الخطأ فيها أصلاً.
وإن قلنا: المصيب فيها واحد، والمخطيء فيها معذور بالاتفاق، فكيف صار هذا القدر من الخطأ سبباً لإخراج آدم - عليه الصلاة والسلام - من الجنة؟
والجواب عن الأول: أن لفظة "هذا" وإن كان في الأصل إشارة إلى الشَّخص، لكنه قد يستعمل في الإشارة إلى النوع كما تقدم بيانه.
والجواب عن الثاني: أن الله - سبحانه وتعالى - كان قد قرن به ما دَلّ على أنّ المراد هو النوع، لكن لعلّ آدم - عليه الصلاة والسلام - قصر في معرفة ذلك الدَّليل؛ لأنه ظنّ أنه لا يلزمه ذلك في الحال.
أو يقال: إنه عرف ذلك الدليل في وقت ما نهاه الله - تعالى - عن عين الشَّجرة، فلما طالت المدة غفل عنه، لأن في الخبر أن آدم - عليه الصلاة والسلام - بقي في الجَنّة الدهر الطويل، ثم أخرج.
والجواب عن الثالث: أنه لا حاجة هاهنا إلى إثبات أن الأنبياء تمسَّكوا بالاجتهاد، فإنّا بَيَّنَّا أنّ آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - قصّر في معرفة تلك الدّلالة، وإن كان قد عرفها، لكنه قد نسيها، وهو المراد من قوله تعالى:
{ { فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115].
والجواب عن الرَّابع: يمكن أن يقال [كانت] الدلالة قطيعة [إلا أنه] - عليه الصَّلاة والسَّلام - لما نسيها صار النِّسْيَان عذراً في ألاّ يصير الذنب كبيراً، أو يقال: كانت ظنيةً إلاَّ أنه ترتّب عليه من التَّشديدات ما لم يترتّب على خطأ سائر المجتهدين؛ لأن ذلك يجوز أن يختلف باختلاف الأشخاص، وكما أن الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - مخصوص بأمور كثيرة في باب التَّشديدات بما لا يثبت في حق الأمة فكذا هاهنا.
واعلم أنه يمكن أن يقال في المسألة وجه آخر، وهو أنه - تعالى - لما قال:
{ { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } [الأعراف: 19] فهم آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - من هذا النهي أنهما إنما نُهِيَا حال اجتماعهما؛ لأن قوله: "وَلاَ تَقْرَبَا" نهي لهما عن الجمع، ولا يلزم من حصول النهي حال الاجتماع حصوله حال الاجتماع حال الانفراد، فلعل الخطأ في الاجتهاد إنما وقع من هذا الوجه.
قوله: { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ }
"الفاء" - هنا - فاء السببية.
وقال المَهْدَويّ: إذا جعل "فأزلهما" بمعنى زَلّ عن المَكَان كان قوله: { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } توكيداً، إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر، وهذا الذي قاله المَهْدَوِيّ أشبه شيء بالتأسيس لا التأكيد، لإفادته معنى جديداً.
قال "ابن عطية": وهنا محذوف يدلّ عليه الظاهر تقديره: فأكلا من الشَّجرة، يعني بذلك أن المحذوف [يقدر] قبل قوله: "فَأَزَلَّهُمَا".
و "مَمَّا كَانَا" متعلّق بـ "أخرج"، و "ما" يجوز أن تكون موصولة اسمية، وأن تكون نكرة موصوفة، أي: من المكان أو النعيم الَّذِي كانا فيه، أو من مكان، أو نعيم كانا فيه، فالجملة من "كان" واسمها وخبرها لا مَحَلّ لها على الأوّل ومحلّها الجَرّ على الثاني، و "من" لابتداء الغابة.
فصل في قصة الإغواء
روي عن ابن عَبّاس، وقتادة قال الله تعالى لآدم: أَلَم يك فيما أبحتك الجَنّة مَنْدُوحَة عن الشَّجرة، قال: بلى يا رَبّ وعزّتك، ولكن ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً قال: فبعزّتي لأهبطنّك إلى الأرض، ثم لا تَنَالُ العيش إلا كدًّا، فأهبطا من الجنة، فكانا يأكلان فيها رغداً فعلم [صنعة] الحديد، وأمر بالحَرْثِ فحرث وزرع وسقى، حتى إذا بلغ حصد، ثم دَاسَهُ، ثم ذَرَاه، ثم طحنه، ثم خبزه، ثم أكله، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله تعالى. ويروى أن "إبليس" أخذ من الشجرة التي نهى آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - عنها فجاء بها إلى حَوّاء فقال: انظري إلى هذه الشَّجرة ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لَوْنها، فلم يزل يغويها حتى أخذتها فأكلتها وقالت لآدم: كُلْ فإني قد أكلت فلم تضرني، فأكل منها فبدت لهما سَوْآنهما، [وبقيا] عرايا، فطلبا ما يستتران به، فتباعدت الأشجار عنهما، وبكّتوه بالمعصية، فرحمته شجرة التين، فأخذ من وَرقها، فاسْتَتَرُوا به فَبُلِيَ بالعُرْيِ دون الشجر.
وقيل لحواء: كما أدميت الشجرة، فذلك يصيبك الدّم كلّ شهر، وتََحْمِلين وتَضَعِيِن كرهاً، وتُشْرفين [به] على المَوْتِ، وزاد الطبري والنَّقّاش، وتكونين سفيهةً وقد كنت حليمةً [ولعنت] الحية وردّت قوائمها في جَوْفِهَا، وجعلت العداوة بينها وبين بني آدم، ولذلك أمرنا بِقَتْلِهَا.
قوله: { ٱهْبِطُواْ } جملة أمرية في محلّ نصب بالقول قبلها، وحذفت الألف من "اهْبِطُوا" في اللفظ؛ لأنها ألف وصل، وحذفت الألف من "قلنا" في اللفظ؛ لسكونها وسكون الهاء بعدها.
وقرىء: "اهْبُطُوا" بضم الباء، وهو كثير في غير المتعدّي.
وأما الماضي فـ "هَبَطَ" بالفتح فقط، وجاء في مضارعه اللّغتان، والمصدر "الهبوط" بالضم، وهو النزول.
وقيل: الانتقال مطلقاً.
وقال المفضل: الهبوط: الخروج من البلد، وهو - أيضاً - الدخول.
وفيه نظر: لأن "إبليس" حين أَبَى عن السُّجود أخرج من الجنة لقوله تعالى:
{ { فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } [الأعراف: 13] وقوله: { { فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } [الحجر: 34] وزلة آدم وحَوّاء إنما وقعت بعد ذلك بمدّة طويلة، فكيف يكون متناولاً له فيها وهو من الأضداد؟
والضمير في "اهبطوا" الظاهر أنه لجماعة، فقيل: لآدم وحواء والحيّة وإبليس.
وقيل: لهما وللحيّة. وفيه بعد؛ لأنّ المكلفين بالإجماع هم المَلاَئكة والجنّ والإنس.
وقيل: لهما وللوسوسة. وفيه بعد.
وقيل: لبني آدم وبني إبْلِيِسَ، وهذا وإن كان نقل عن "مُجَاهد والحَسَن" لا ينبغي أن يقال؛ لأنهما لم يولد لهما في الجنة بالاتفاق. وقال الزَّمَخْشَرِيّ: إنه يعود لآدم وحواء، والمراد هما وذرّيتهما؛ لأنهما لما كانا أصل الإنس ومتشعّبهم جعلا كأنهما الإنس كلهم، ويدلّ عليه:
{ { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } [طه: 123]. وهذا ضعيف؛ لأن الذّرية ما كانوا موجودين في ذلك الوَقْتِ، فكيف يتناولهم الخطاب؟ أما من زعم أن أقل الجمع اثنان، فلا يرد عليه شيء من هذا.
قوله: { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } هذه جملة من مبتدأ وخبر، وفيها قولان:
أصحهما: أنها في محل نصب على الحال، أي اهبطوا متعادين.
والثاني: أنها لا محل لها؛ لأنها استئناف إخبار بالعداوة.
وأفرد لفظ "عدو" وإن كان المراد به جمعاً لأحد وجهين:
إما اعتباراً بلفظة "بعض" فإنه مفرد، وإمّا لأن "عدوًّا" أشبه بالمَصَادر في الوزن كـ "القَبُول" ونحوه.
وقد صرح "أبو البقاء" بأن بعضهم جعل "عدوًّا" مصدراً، قال: وقيل: "عدو" مصدر كـ "القبول والولوع"، فلذلك لم يجمع.
وعبارة "مكي" قريبة من هذا. فإنه قال: وإنما وحد وقبله جمع؛ لأنه بمعنى المصدر، تقديره: "ذوي عداوة" ونحوه:
{ { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّيۤ } [الشعراء: 77] و { { هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ } [المنافقون: 4].
واشتقاق العدو من "عدا" - "يعدو": إذا ظلم.
وقيل: من "عَدَا" - "يَعْدُو": إذا جاوز الحق، وهما متقاربان.
وقيل: من عَدْوَتَي الجبل، وهما طَرَفَاه، فاعتبروا بعد ما بينهما.
ويقال: عدْوَة، وقد يجمع على "أعداء".
فأما حصول العداوة بين آدم وإبليس فلقوله تعالى:
{ { يَآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ } [طه: 117]، وقوله: { { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } [فاطر: 6].
وأما عداوة الحَيّة فلما نقله أهل التفسير من إدخاله إبليس في فِيِهَا، وقوله صلى الله عليه وسلم:
"اقتلوا الحَيَّات صَغِيرَهَا وكَبِيرَهَا وأَبْيَضَهَا وأَسْوَدَهَا، فإن من قتلها كانت له فِدَاءً من النار ومن قَتَلَتْهُ كان شهيداً" .
وما كان من الحيات في البيوت فلا يُقْتَل حتى يؤذن ثلاثة أيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن بالمَدِينَةِ جِنًّا قد أسلموا، فإذا رَأَيْتُمْ منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بَدَا لكم بعد ذلك فَاقْتُلُوه فإنما هو شَيْطَان" .
وفي رواية: "إنَّ لهذه البيوت عَوَامِرَ فإذا رَأَيْتُمْ شيئاً منها فَحَرِّجُوا عليها ثلاثاً، فإن ذهب وإلا فَاقْتُلُوهُ فإنه كافر" .
وصفة الإنذار أن يقول: أنذرتكم بالعَهْدِ الذي أخذه عليكم نُوحٌ - عليه الصَّلاة والسَّلام - وأنشدكم بالعَهْد الذي أخذه عليكم سليمان - عليه الصَّلاة والسَّلام - أن تخرجوا.
وأما كون الجنّ حيات فلقوله عليه الصَّلاة والسَّلام:
"الجنّ على ثَلاَثَةِ أثْلاثٍ فثُلثٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ في الهَوَاءِ، وثُلث حَيَّات وكِلاَب، وثُلُث يَحلُّونَ وَيَظْعَنُون" .
واللاَّم في "لِبَعْضٍ" متعلقة بـ "عدو"، فلما قدم عليه انتصب حالاً، فتتعلّق اللام حينئذ بمحذوف، وهذه الجملة الحالية لا حاجة إلى ادعاء حذف "واو" الحال منها؛ لأن الرَّبْطَ حصل بالضمير، وإن كان الأكثر في الجمل الاسمية الواقعة حالاً أن تقترن بالواو.
و" البعض" في الأصل مصدر بَعضَ الشيء يَبْعَضُهُ، إذا قطعه فأطلق على القطعة من النَّاس؛ لأنها قطعة منه، وهو مقابل "كلاًّ"، وحكمه حكمه في لزوم الإضَافَةِ معنى، وأنه معرفة بنيّة الإضافة فلا تدخل عليه "أل" وينتصب عنه الحال؛ تقول: "مررت ببعض جالساً" وله لفظ ومعنى، وقد تقدم تقرير ذلك.
تنبيه
من قال: إن جنّة آدم كانت في السماء فسّر الهبوط بالنزول من العُلُو إلى أسفل، ومن قال: إنها كانت في الأرض فسره بالتحوّل من مكان إلى آخر كقوله:
{ { ٱهْبِطُواْ مِصْراً } [البقرة: 61].
قوله: { وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ }.
هذه الجملة يجوز فيها الوجهان المتقدّمان في الجملة قبلها من الحالية، والاستئناف كأنه قيل: اهبطوا مُثَعَادين، ومستحقين الاستقرار.
و "لكم" خبر مقدم. و "في الأرض" متعلّق بما تعلّق به الخبر من الاستقرار.
وتعلقه به على وجهين:
أحدهما: أنه حال.
والثاني: أنه غير حال، بل كسائر الظروف، ويجوز أن يكون "في الأرض" هو الخبر، و "لكم" متعلّق بما يتعلّق به هو من الاستقرار، لكن على أنه غير حال؛ لئلا يلزم تقديم الحال على عاملها المعنوي، على أن بعض النحويين أجاز ذلك إذا كانت الحال نفسها ظرفاً، أو حرف جر كهذه الآية، فيكون في "لكم" أيضاً الوجهان، قال بعضهم: ولا يجوز أن يكون "في الأَرْضِ" متعلّقاً بـ "مستقر"، سواء جعل مكاناً أو مصدراً؛ أما كونه مكاناً فلأن أسماء الأمكنة لا تعمل، وأما كونه مصدراً فلأن المَصْدَرَ الموصول لا يجوز تقديم معمول عليه.
ولقائل ان يقول: هو متعلّق به على أنه مصدر، لكنه غير مؤول بحرف مَصْدَرِيّ، بل بمنزلة المصدر في قولهم: "لَهُ ذَكَاءٌ ذَكَاءَ الحُكَمَاءِ" وقد اعتذر صاحب هذا القَوْلِ بهذا العذر نفسه في موضع آخر مثل هذا. و "إلَى حِيْنٍ" الظَّاهر أنه متعلّق بـ "متاع"، وأن المسألة من باب الإعمال؛ لأن كلّ واحد من قوله: "مستقر ومَتَاع" يطلب قوله: "إلى حِينٍ" من جهة المعنى. وجاء الإعمال هُنَا على مختار البَصْريين، وهو إعمال الثَّاني وإهمال الأول، فلذلك حذف منه، والتقدير: ولكم في الأرض مستقرّ إليه، ومتاع إلى حين، ولو جاء على إعمال الأول لأضمر في الثاني.
فإن قيل: من شرط الإعمال أن يصحّ تسلّط كل من العاملين على المعمول، و "مستقر" لا يصحّ تسلّطه عليه لئلاّ يلزم الفصل بين المَصْدر ومعموله، والمصدر بتقدير الموصول.
فالجواب: أن المحذور في المصدر الذي يُرَاد به الحدث، وهذا لم يرد به حَدَث، فلا يؤول بموصول، وأيضاً فإنّ الظرف وشبهه فيه رَوَائح الفعل حتى الأعلام؛ كقوله: [الرجز]

406- أَنَا ابْنُ مَاوِيَّةَ إذْ جَدَّ النَّقُرْ

و "مستقر" يجوز ان يكون اسم مكان، وأن يكون اسم مصدر، "مستفعل" من القَرَار، وهو اللَّبْثُ؛ ولذلك سميت الأرض قراراً؛ قال: [الكامل]

407-............................... فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةِ كَالدِّرْهَمِ

ويقال: استقر وَقَرَّ بمعنى واحد.
قال قوم: "المُسْتَقَرّ": حالتا الحياة والموت، وروى السّدي عن ابن عباس أن المُسْتَقَرّ هو القبر، والأول أولى؛ لأنه - تعالى - قرن به المَتَاع من الأكل والشرب وغيره، وذلك لا يليق إلا بِحَالِ الحَيَاةِ؛ ولأنه خاطبهم بذلك عند الإهباط، وذلك يقتضي الحياة والمَتَاع.:
واختار أبو البَقَاءِ أن يكون "إلى حَينٍ" في مَحَلّ رفع صفة لـ "متاع".
و "المتاع": البُلْغَة مأخوذة من متع النهار، أي: ارتفع.
وقال أبو العباس المقرىء: و "المتاع" على ثلاثة أوجه:
الأول: بمعنى "العيش" كهذه الآية.
الثاني: بمعنى: "المَنْفَعَة" قال تعالى:
{ { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَٰعاً لَّكُمْ } [المائدة: 96] أي: منفعة لكم ولأنعامكم.
الثالث: بمعنى "قليل" قال تعالى:
{ { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَٰعٌ } [الرعد: 26] أي: قليل.
و "الحين": القطعة من الزمان طويلةً كانت أو قصيرةً، وهذا هو المشهور.
وقيل: الوقت البعيد ويقال: عاملته مُحَايَنَةً، من الحِينِ، وَأَحْيَنْتُ بِالمَكَانِ: إِذا أقمت بهِ حِيناً. وحان حين كذا، أي: قرب؛ قالت بُثَيْنَة: [الطويل]

408- وَإِنَّ سُلوِّي عَنْ جَمِيلٍ لسَاعَةٌ مِنَ الدَّهْرِ مَا حَانَتْ وَلاَ حَانَ حِينُها

وقال بعضهم: تزاد عليه التّاء فيقال: "تَحِينَ قُمْتَ"، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى، وأنشد على زيادة التاء قوله: [الكامل]

409- أَلعَاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ والمُطْعِمُونَ زَمَانَ أَيْنَ المُطْعِمُ

فصل في المراد بالحين
واختلفوا في "الحِيْنِ" على أقوال فقالت فرقة: إلى الموت.
وقيل: إلى قيام السَّاعة، فالأوّل قول من يقول: المستقرّ هو البَقَاء في الدُّنيا.
والثَّاني قول من يقول: المستقر هو في القبور.
وقيل: الحين: الأَجَل، والحين، المدّة، قال تعالى:
{ { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ } [الإنسان: 1].
والحين: الساعة، قال تعالى:
{ { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ } [الزمر: 58] والحِينُ ستة أشهر، قال تعالى: { { تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } [إبراهيم: 25]
وقيل كل سنة، والحين: الغدوة والعشية، قال تعالى:
{ { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [الروم:17].
وقيل: الحين: اسم كالوقت يصح لجميع الأزمان كلّها طالت أم قصرت.
فصل في هبوط آدم ومن معه
يروي أن آدم أهبط بـ "سرنديب في الهند" بجبل يقال له "نود"، ومعه ريح الجنة فعلق بشجرها، وأوديتها، فامتلأ ما هنالك طيباً، فمن ثم يؤتى بالطّيب من ريح آدم عليه الصلاة والسلام.
وكان السَّحَاب يمسح رَأْسَهُ فأصلع، فأورث ولده الصّلع.
روى البُخَاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"خَلَقَ اللهُ آدَمَ وطوله سِتُّون ذِراعاً" .
وأهبطت حواء بـ "جدّة" وإبليس بـ "الأبلّة" و "الأبلة" موضع من "البصرة" على أميال، والحية بـ "بيسان".
وقيل: بـ "سجستان"، وقيل: بـ "أصفهان"، ولولا أن العِرْبدَّ يأكلها ويغنى كثيراً منها لخلت "سجستان" من أجل الحيات. [ذكره أبو الحسن المسعودي].