التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
١٠
قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ
١١
-الشعراء

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } الآية. العامل في "إذْ نَادَى" مضمر، فقدره الزجاج: اتْلُ. وقدره غيره: اذكر. واختلف في النداء الذي سمعه موسى - عليه السلام - من الله تعالى، فقيل: هو الكلام القديم، فكما أن ذاته تعالى لا تشبه سائر الذوات مع أن الدليل دل على أنها معلومة ومرتبة، فكذا كلامه منزه عن مشابهة الحرف والصوت مع أنه مسموع وقيل: كان نداء من جنس الحروف والأصوات.
وقالت المعتزلة: كان ذلك النداء حروفاً وأصواتاً علم به موسى من قبل الله تعالى فصار معجزاً، علم به موسى أن الله تعالى مخاطب له فلم يحتج مع ذلك إلى واسطة.
قوله: { أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }. يجوز أن تكون "أَنْ" مفسِّرة، وأن تكون مصدرية، أي: بأن. قوله: "قَوْمَ فِرْعَوْنَ". بدل أو عطف بيان لـ "القَوْمَ الظَّلِمِينَ". وقال أبو البقاء: إنه مفعول (تَتَّقُونَ) على قراءة من (تَتَّقُونَ) بالخطاب وفتح النون، كما سيأتي. ويجوز على هذه القراءة أن يكون منادى. قوله: "أَلاَ يَتَّقُونَ". العامة على الياء في "يَتَّقُونَ" وفتح النون، والمراد قوم فرعون، والمفعول محذوف، أي: يتقون عقابي، [وقرأ عبد الله بن مسلم بن يسار، وحماد، وشقيق بن سلمة بالتاء من فوق على الالتفات، خاطبهم بذلك توبيخاً] والتقدير: يا قوم فرعون.
وقرأ بعضهم: "يَتَّقُونِ" بالياء من تحت، وكسر النون، وفيها تخريجان:
أحدهما: أن "يَتَّقُونِ" مضارع، ومفعوله ياء المتكلم اجتزئ عنها بالكسرة.
والثاني: جوّزه الزمخشري، أن تكون "يا" للنداء، و "اتَّقُونِ" فعل أمر، كقوله: "أَلاَ يَا اسْجُدُواْ" أي: يا قوم اتقون، أو يا ناس اتقون. وسيأتي تحقيق مثل هذا في السورة تحتها. وهذا تخريج بعيد.
وفي هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أنها مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
وجوّز الزمخشري أَن تكون حالاً من الضمير في "الظَّالمِينَ" أي: يظلمون غير متَّقين اللَّهَ وعقابَه، فأُدخلت همزةُ الإنكار على الحال. وخطأه أبو حيان من وجهين:
أحدهما: أنه يلزم عنه الفصل بين الحال وعاملها بأجنبي منهما، فإن أعرب "قَوْمَ فِرْعَوْنَ" عطف بيان لـ "القَوْمَ الظَّالمينَ".
والثاني: أنه على تقدير تسليم ذلك لا يجوز أيضاً؛ لأن ما بعد الهمزة لا يعمل فيما قبلها، قال: وقولك: (جئتُ أمسرعاً)، إن جعلت (مسرعاً) معمولاً لـ (جئت) لم يجز، فإن أضمرت عاملاً جاز. والظاهر أن "أَلاَ" للعرض.
وقال الزمخشري: إنها (لا) النافية، دخلت عليها همزة الإنكار. وقيل: هي للتنبيه.
فصل
قوله: { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } حين رأى الشجرة والنار { أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمينَ } أي: الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، فحكم عليهم بالظلم من وجهين:
الأول: ظلموا أنفسهم بكفرهم.
والثاني: ظلمهم بني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب. "قَوْمَ فِرْعَوْنَ" عطف "قَوْمَ فِرْعَوْنَ" على "القَوْمَ الظَّالِمينَ" فهما يدلان لفظاً على معنى واحد. "أَلاَ يَتَّقُونَ" أي: يصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته. ومن قرأ "تَتَّقُونَ" بالخطاب فعلى الالتفات إليهم وصرف وجوههم بالإنكار والغضب عليهم، كمن يشكو من جناية والجاني حاضر، فإذا اندفع في الشكاية، وحمي غضبه قطع بأنه يخاطب صاحبه، وأقبل على الجاني يوبخه ويعنفه ويقول له: ألم تتق الله؟ ألم تستحي من الناس؟ فإن قيل: فما الفائدة في هذا الالتفات والخطاب مع موسى - عليه السلام - في وقت المناجاة، والملتفت إليهم غائبون لا يشعرون؟. قلنا: أجري ذلك في تكليم المرسل إليهم معنى إجرائه بحضرتهم وإلقائه إلى مسامعهم، لأنه مبلغهم، وله فيه لطف وحث على زيادة التقوى، وكم من آية نزلت في الكافرين وفيها أوفر نصيب للمؤمنين تدبراً بها، واعتباراً بمواردها.