التفاسير

< >
عرض

قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
٩٥
-آل عمران

اللباب في علوم الكتاب

أي قل لهم.
والعامة على إظهار لام "قُلْ" مع الصاد.
وقرأ أبانُ بن تغلب بإدغامها فيها، وكذلك أدغم اللام في السين في قوله:
{ قُلْ سِيرُواْ } [الأنعام: 11] وسيأتي أن حمزةَ والكسائيَّ وهشاماً أدْغموا اللام في السين في قوله: { { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ } [يوسف: 18].
قال أبو الفتح: "عِلَّةُ ذلك فُشُوُّ هذين الحرفَيْن في الضم، وانتشار الصوت المُنْبَثّ عنهما، فقاربتا بذلك مخرج اللام، فجاز إدغامها فيهما"، وهو مأخوذ من كلام سيبويه، فإن سيبويه قال: "والإدغام، يعني: إدغام اللام مع الصاد والطاء وأخواتهما، جائز، وليس ككثرته مع الراء؛ لأن هذه الحروفَ تراخين عنها، وهن من الثنايا؛ قال: وجواز الإدغام أنّ آخر مخرج اللام قريب من مخرجها". انتهى.
قال أبو البقاء عبارة تُوَضِّحُ ما تقدم، وهي: "لأن الصاد فيها انبساط، وفي اللام انبساط، بحيث يتلاقى طرفاهما، فصارا متقاربين". وقد تقدم إعراب قوله: ملة إبراهيم حنيفاً.
فصل
{ قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ } يحتمل وجوهاً:
أحدها: قل: صدق اللهُ في أن ذلك النوعَ من الطعام، صار حراماً على بني إسرائيلَ، وأولادِه بعد أن كان حلالاً لهم، فصحَّ القولُ بالنسخ، وبطلت شُبْهَةُ اليهود.
وثانيها: قل: صدق اللهُ في أن لحوم الإبل، وألبانها كانت مُحَلَّلَةً لإبراهيمَ، وإنما حُرِّمَتْ على بني إسرائيلَ؛ لأن إسرائيلَ حَرَّمها على نفسه، فثبت أن محمداً لما أفتى بِحلِّ لحوم الإبل، وألبانِها، فقد أفتى بملة إبراهيمَ.
وثالثها: صدق الله في أن سائرَ الأطعمة، كانت مُحَلَّلَةً لبني إسرائيلَ، وإنما حُرِّمَتْ على اليهود؛ جزاءً على قبائح أفعالهم.
وقوله: { فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } أي: اتبعوا ما يدعوكم إليه محمد صلى الله عليه وسلم من ملة إبراهيمَ.
وسواء قال: { مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } أو قال: "ملة إبراهيم الحنيف"؛ لأن الحال والصفة في المعنى سواء.
وقوله: { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: لم يدْعُ مع الله إلهاً آخرَ، كما فعله العرب من عبادة الأوثان، أو كما فعله اليهودُ من أن عُزَيراً ابن الله، أو كما فعله النصارى من ادِّعاء أن المسيح ابن الله.
والمعنى: إن إبراهيم - عليه السلام - لم يكنْ من الطائفة المشركةِ في وقت من الأوقاتِ، والغرض منه بيان أن محمداً صلى الله عليه وسلم على دين إبراهيم في الفروع والأصول؛ لأن مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم لا يدعو إلا إلى التوحيدِ، والبراءة عن كل معبودٍ سوى اللهِ تعالى.