التفاسير

< >
عرض

فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً
٤١
-النساء

اللباب في علوم الكتاب

"فكيف" فيها ثلاثة أقْوَال:
أحدها: أنَّها في مَحَلِّ رفْع خَبَراً لمبْتَدأ مَحْذُوف، أي: فكيف [تكُون] حالهم أو صُنْعُهم، والعَامِل في "إذَا" هو هَذَا المُقَدَّر.
والثاني: أنها في مَحَلِّ نَصْب بِفْعِل مَحْذُوف، أي: فكيف تكُونونُ أو تَصْنَعُون، ويَجْرِي فيها الوَجْهَان النَّصْب على التَّشْبِيه بالحَالِ؛ كما هو مَذْهَب سَيبويْه، أو على التَّشْبِيه بالظَّرفيّة؛ كما هو مذهب الأخْفَش، وهو العَامِل في "إذَا" أيْضَاً.
والثالث: حكاه ابن عَطيّة عن مَكِّي أنها معمولة لـ { جِئْنَا }، وهذا غَلَطٌ فاحِشٌ.
قوله { مِن كُلِّ } فيه وجْهَان:
أحدهما: أنه مُتعلِّق بـ { جِئْنَا }.
والثاني: [أنه متعلِّقٌ] بمحذوفٍ على أنَّه حَالٌ من { شَهِيداً }، وذلك على رَأي من يُجَوِّزُ تقديم حالِ المجرُور بالحَرْفِ عليْهِ، كما تقدَّم، والمشهود مَحْذُوف، أي: شهيد على أمَّتِه.
فصل: معنى { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا }
من عَادَة العرب أنَّهم يقُولُون في الشَّيء الذي يتوقَّعُونَهُ: كيف بك إذا كان كَذَا وكَذَا، ومعنى الكلام: كيْفَ يرون [يَوْمَ] القيامة: إذا اسْتَشْهَد الله على كُلِّ أمَّة برسُولِهَا يشهد عليهم بما عَمِلُوا، { وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } أي: شاهداً على جميع الأمَمِ.
روى أبو مَسْعُود؛
"قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: اقْرَأ عَلَيَّ. فقلت: يا رسُول الله، أَقْرَأ عَلَيْكَ، وعَلَيْكَ أنْزِلَ؟ قال: نَعَم، أحِبُّ أن أسْمَعَهُ من غَيْرِي، فقرأت سُورة النِّسَاء حتى أتيْتُ إلى هذه الآيةِ، قال: حَسْبُك الآن، فالتَفَتُّ إلَيْه فإذا عَيْنَاهُ تَذْرِفان" .
قوله { وَجِئْنَا بِكَ } في هذه الجُمْلَة ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنها في مَحَلِّ جرِّ عطفاً على { جِئْنَا } الأولى، أي: فكيف تصنعون في وَقْتِ المجيئين.
والثاني: أنها في مَحَلِّ نصب على الحَالِ و "قَدْ" مُرَادةٌ معها، والعَامِلُ فيها { جِئْنَا } [الأولى، أي: جئنا] من كُلِّ أمَّة بشهيدٍ وقد جِئْنَا؛ وفيه نَظَر.
الثالث: أنها مُسْتأنَفَة فلا مَحَل لها قال أبُو البَقَاء ويجوز أن تكون مُسْتأنفَة، ويكون المَاضِي بمعنى المُسْتَقْبَل انتهى.
وإنما احْتَاج [إلى ذلك]؛ لأن المَجِيءَ بعد لَمْ يَقَع فادّعى ذلك، والله أعْلَم.
قوله: { عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ } متعلِّق بـ { شَهِيداً } و "عَلَى" على بابها، وقيل: بمعْنَى اللام، وفيه بُعْدٌ [وأجيز أن يكُونَ "عَلَى" متعلِّقَة بمحذُوفٍ على أنَّها حالٌ من { شَهِيداً } وفيه بُعْدٌ]، و{ شَهِيداً } حالٌ من الكَافِ في "بِكَ".