مكتبة التفاسير
فهرس القرآن
التفاسير الأكثر قراءة
كتب أخرىٰ
التفاسير العظيمة
التفاسير العظيمة
يحتوي الموقع على 91 تفسير للقرآن الكريم و 25 كتاب في علوم القرآن
English
القائمة
الرئيسية
القرآن والتجويد
التفاسير
علم القراءات
علوم القرآن
بحث وفهارس
كتب متفرقة
تراجم
دراسات قرانية
الإعجاز العلمي
خريطة الموقع
نبذة عنا
الصفحة الرئيسية
>
مكتبة التفاسير
>
كتب التفاسير
التفاسير
١ الفاتحة
٢ البقرة
٣ آل عمران
٤ النساء
٥ المائدة
٦ الأنعام
٧ الأعراف
٨ الأنفال
٩ التوبة
١٠ يونس
١١ هود
١٢ يوسف
١٣ الرعد
١٤ إبراهيم
١٥ الحجر
١٦ النحل
١٧ الإسراء
١٨ الكهف
١٩ مريم
٢٠ طه
٢١ الأنبياء
٢٢ الحج
٢٣ المؤمنون
٢٤ النور
٢٥ الفرقان
٢٦ الشعراء
٢٧ النمل
٢٨ القصص
٢٩ العنكبوت
٣٠ الروم
٣١ لقمان
٣٢ السجدة
٣٣ الأحزاب
٣٤ سبأ
٣٥ فاطر
٣٦ يس
٣٧ الصافات
٣٨ ص
٣٩ الزمر
٤٠ غافر
٤١ فصلت
٤٢ الشورى
٤٣ الزخرف
٤٤ الدخان
٤٥ الجاثية
٤٦ الأحقاف
٤٧ محمد
٤٨ الفتح
٤٩ الحجرات
٥٠ ق
٥١ الذاريات
٥٢ الطور
٥٣ النجم
٥٤ القمر
٥٥ الرحمن
٥٦ الواقعة
٥٧ الحديد
٥٨ المجادلة
٥٩ الحشر
٦٠ الممتحنة
٦١ الصف
٦٢ الجمعة
٦٣ المنافقون
٦٤ التغابن
٦٥ الطلاق
٦٦ التحريم
٦٧ الملك
٦٨ القلم
٦٩ الحاقة
٧٠ المعارج
٧١ نوح
٧٢ الجن
٧٣ المزمل
٧٤ المدثر
٧٥ القيامة
٧٦ الإنسان
٧٧ المرسلات
٧٨ النبأ
٧٩ النازعات
٨٠ عبس
٨١ التكوير
٨٢ الانفطار
٨٣ المطففين
٨٤ الانشقاق
٨٥ البروج
٨٦ الطارق
٨٧ الأعلى
٨٨ الغاشية
٨٩ الفجر
٩٠ البلد
٩١ الشمس
٩٢ الليل
٩٣ الضحى
٩٤ الشرح
٩٥ التين
٩٦ العلق
٩٧ القدر
٩٨ البينة
٩٩ الزلزلة
١٠٠ العاديات
١٠١ القارعة
١٠٢ التكاثر
١٠٣ العصر
١٠٤ الهمزة
١٠٥ الفيل
١٠٦ قريش
١٠٧ الماعون
١٠٨ الكوثر
١٠٩ الكافرون
١١٠ النصر
١١١ المسد
١١٢ الاخلاص
١١٣ الفلق
١١٤ الناس
<
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
>
--- كل المدارس ---
أمهات التفاسير
تفاسير أهل السنة
تفاسير أهل السنة الصوفية
تفاسير أهل السنة السلفية
تفاسير ميسرة
تفاسير الشيعة الإثنى عشرية
تفاسيرالزيدية
تفاسيرالاباضية
تفاسير حديثة
تفاسير مختصرة
--- اختر التفسير---
تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ)
بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ)
النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ)
معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ)
زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ)
تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ)
مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ)
لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ)
البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ)
التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ)
غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ)
الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ)
اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ)
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ)
الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ)
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ)
مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ)
الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ)
تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ)
الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ)
التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ)
التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ)
تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ)
حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ)
تفسير سفيان الثوري/ عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (ت161هـ)
تفسير النسائي/ النسائي (ت 303 هـ)
تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور /همام الصنعاني (ت 211 هـ)
محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ)
تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ)
تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ)
كتاب نزهة القلوب/ أبى بكر السجستاني (ت 330هـ)
عرض
سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ
١٤٨
قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
١٤٩
-الأنعام
أضف للمقارنة
اللباب في علوم الكتاب
لما حكى عن أهْلِ الجاهِليَّة إقدامهم على الحُكْم في دين اللَّه بغير دَلِيل - حكى عُذْرَهُم في كلِّ ما يُقْدِمُون عليه من الكُفْرِيَّات، فيقولون: لَوء شَاء الله مِنَّا ألا نَكْفُر، لمَنَعَنَا عن هذا الكُفْرِ، وحيث لم يَمْنَعْنَا عنه، ثبت أنه مُرِيدٌ لذلك، وإذا أراده مِنَّا، امتنع مِنَّا تركُه، فكُنَّا مَعْذُورين فيه.
واعلم أن المُعْتَزِلَة اسْتَدَلُّوا بهذه الآية على مَذْهَبِهم من سبعة أوجه:
أحدها: أنه - تعالى - حَكَى عن الكُفَّار صَرِيح قول المُجَبرة، وهو قولهم: "لَوْ شَاء اللَّه مِنّا ألاَّ نُشْرِك، لم نُشْرِك"، وإنَّمَا حَكَاهُ عنهم في مَعْرِض الذَّمِّ والقبح، فوجب كوْن هذا المَذْهَب مذمُوماً باطِلاً.
وثانيها: أنه - تبارك وتعالى - قال بَعْدَه: "كَذَّب" وفيه قراءتان: التَّخفيف والتثقيل.
أما قراءة التخفيف: فهي تَصْرِيح بأنَّهم قد كَذَبُوا في ذلك القَوْل، وذلك يَدُلُّ على أن قول المُجبِّرة في هذه المسْألة كذبٌ.
وأمَّا قِرَاءة التَّشْدِيد: فلا يمكن حَمْلُها على أن القَوْم استوجَبُوا الذَّمَّ بسبب أنَّهُم كذَّبُوا هذا المَذْهِب؛ لأنا لو حَمَلْنا الآية عليه، لكان هذا المعنى ضِدّاً للمعْنَى الذي يَدُلُّ عليه قراءة "كَذَبَ" بالتَّخْفِيف، فتصير إحدى القراءَتَيْن ضِدَّ الأخْرى، وإذا بَطَل ذلك، وجب حَمْلُه على أن المُرَادِ منه: على ان كُلَّ من كذَّب نَبِيّاً من الأنْبِيَاء في الزَّمَان المتقدَّم، فإنما كذَّبه بهذا الطَّريق؛ لأنه يَقُول: "الكل بِمَشِيئَة الله، فهذا الذي أنا عَلَيْه من الكُفْرِ إنما حَصَل بمشِيئَة الله - تعالى -، فلم يَمْنَعْنِي منه" وإذا حَمَلْنا الآية على هذا الوَجْه، صارت القِرَاءة بالتَّشْدِيد مؤكَّدة للقِرَاءَة بالتَّخْفيف، فيصير مجمُوع القِرَاءَتَيْن دالاً على إبْطَال قَوْل المُجَبَّرة.
وثالثها: قوله - تبارك وتعالى - بعده: { حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا } وذلك يدُلُّ على أنَّهم استوجبوا الوَعِيد من اللَّهِ؛ بذِهَابِهم إلى هذا الوَجْهِ.
ورابعها: قوله - تعالى - بعده: { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ }, وهذا اسْتِفْهَامٌ على وجه الإنْكَار، وذلك يدلُّ على أنَّ هذا القائل بهذا القَوْل لَيْس لَهُ فِيه حُجَّة، فدلّ على فَسَادِه؛ لأن الحقَّ على القَوْل به دَلِيل.
وخامسها: قوله - تعالى - بعده: { إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } مع أنه - تعالى - ذم الظّنَّ بقوله - تعالى -:
{
{ إَنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً }
[يونس:36] ونظائره.
وسادسها: قوله: { وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ }، والخَرْص أكبر أنواع الكَذِب، قال - تعالى -:
{
{ قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ }
[الذاريات:10].
وسابعها: قوله - تعالى - بعده: { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَة } وتقديره: أنَّهُم احتجوا في دَفْع دَعْوى الأنْبِيَاء على أنْفُسِهِم بأن قَالُوا: كل ما حَصَلَ فَهُو بمشِيئَةِ اللَّه - تعالى -، وإذا شَاءَ اللَّه مِنَّا ذلك، فكَيْف يمكننا تَرْكُهُ؟ وإذا كُنَّا عاجِزِين عن تَرْكه، فكيف يَأمُرُنا بترْكِهِ؟ وهل في وُسْعِنا وطاقََتِنا أن نأتي بِفِعْل على خلاف مَشِيئَة اللَّه - تعالى -، فهذا هو حُجَّة الكُفَّارِ على الأنْبِيَاء، فقال - تعالى -: { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ } وذلك من وجهين:
الأول: أنه - تعالى - أعْطَاكُم عُقُولاً كامِلَة، وأفْهَاماً وافيةً، وآذَاناً سامِعَةً، وعيوناً بَاصِرَةً، وأقدَرَكُم على الخَيْر والشَرِّ، وأزال الأعْذَار والمَوانِع بالكُلِّيَّة عنكم، فإن شِئْتُم ذهبتم إلى الخَيْرَات، وإن شِئْتُم ذهبتم إلى عَمَلِ المَعاصِي والمنْكَرَاتِ، وهذه القُدْرَةِ والمُكْنَة معلُومة الثُّبُوت بالضَّرُورَة، وزَوَال المَوانِع والعَوائِق معلوم الثُّبُوت أيضاً بالضَّرُورة، وإذا كان الأمْر كذلك، كان ادِّعَاؤُكم أنَّكم عَاجِزُون عن الإيمان والطَّاعة دَعْوى بَاطِلة، فَثَبَت بما ذَكَرْنا أنه لَيْس لكم، على اللَّه حُجَّة، بل لله الحجَّة البَالِغَة عليكم.
الوجه الثاني: أنكم تَقُولون: لو كَانَت أفْعَالُنا واقِعة على خلاف مشيئَة الله - تعالى -، لكنَّا قد غَلَبْنَا الله وقَهْرَنَاه، وأتينا بالفِعْل عَلَى مُضادَّتِه، وذلك يُوجِب كونه عَاجِزاً ضَعِيفاً، وذلك يَقْدَح في كونه إلهاً، فأجاب الله - تبارك وتعالى - عنه: بأن العَجْز والضَّعْف إنما يَلْزَم إذا لم يَكُن قَادِراً [على حمْلِهِم على الإيمان والطَّاعة على سَبِيل القَهْرِ والإلْجاء، وأنا قَادِرٌ] على ذلك، وهو المُرَادُ من قوله: { فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }، إلا أني لا أحْمِلكم على الإيمان والطَّاعة على سَبِيل القَهْرِ والإلْجَاءِ؛ لأن ذلك يُبْطِل الحِكْمَة المطْلُوبة من التَّكْلِيف، فثبت بهذا البَيَان أن الَّذِين يَقُولُونه من أنَّا لو أتَيْنَا بعَمَل على خِلاف مَشِيئَة الله - تعالى -, فإنه يَلْزَم منه كَوْنه - تعالى - عاجزاً ضَعِيفاً، كلام باطل.
قال ابن الخطيب: والجواب المعْتمَد في هذا الباب أن نَقُول: إن هذه السُّورة من أولها إلى آخِرِها تدلُّ على صِحَّة قولنا ومذهبنا ونَقَلْنَا في كل آيَةٍ ما يَذْكُرُونه من التَّأوِيلاَت، وأجَبْنَا عنها بأجْوبة واضِحَةٍ قويَّةٍ مؤكَّدَةٍ بالدَّلائل العَقْلِية القَاطِعَة.
وإذا ثبت هذا؛ فنقول: إنه - تبارك وتعالى - حكى عن القَوْم بأنَّهم قَالُوا: { لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } ثم ذكر عَقِيبَه: "كذلك كذَّب الذين من قَبْلِهِم" فهذا يدلُّ على أن القَوْم قالوا: لمَّا كان الكُلُّ بمشِيئَة اللَّه وتقديره: كان التَّكْلِيف عَبَثاً، فكانت دَعْوى الأنْبِيَاء باطِلة، ونُبُوِّتُهم ورسالَتُهم باطلة، ثم إنه - تبارك وتعالى - بيَّن أن التَّمَسُّك بهذا الطَّرِيق في إبْطَال النُّبُوة بِاطِلٌ، وذلك لأنَّه إله يَفْعَل ما يشاء ويَحْكُم ما يُريد، ولا اعتراض لأحد عَلَيْه، فهو - تبارك وتعالى - يشاء الكُفْر من الكَافِر، ومع هذا يبْعَثُ إليه الأنْبِيَاء، ويَأمُرهُ بالإيمان، وورود الأمْر على خِلاف الإرَادة غير مُمْتَنِع.
فالحاصل: أنه - تبارك وتعالى - بيَّن أن هذا الاستدلال فاسدٌ باطلٌ؛ فإنه لا يَلْزَم من ثُبُوت المشيئة للَّه في كل الأمُور على دَفْع دعْوَة الأنْبِيَاء, وعلى هذا الطَّريق فقط سقط هذا الاسْتِدْلال بالكُلِّيَّة, وجميع الوُجُوه التي ذَكَرْتُمُوها, والتَّقْبِيح والتَّهْجِين عائد إلى تَمَسُّكهم بِثُبُوت المشِيئَة للَّه على دَفْع دعْوة الأنْبِيَاء فيكون الحاصل: أنَّ هذا الاسْتِدْلال بِاطِلٌ [وليس فيه ألْبَتَّة ما يدُلُّ على أن القَوْلَ بالمشِيئَة بَاطِلٌ].
فإن قالُوا: إن هذا العُذْر إنما يَسْتَقِيم إذا قَرَأنا قوله - تعالى-: "كَذِلك كذَّبَ" بالتَّشْديد، وأمّا إذا قَرَأنَاه بالتَّخْفِيف، فإنه يَسْقُط هذا العُذْر بالكُلِّيَّة، فنقوله: فيه وجهان:
الأول: أنا نمنع صِحَّة هذه القِراءة؛ والدَّليل عليه أنّا بَينَّا أن هذه السُّورة من أولها إلى آخِرِهَا تدلُّ على قَوْلِنا، فلو كانت هذه الآية الكريمة دالَّةٌ على قَوْلهم لوقع التَّنَاقُض، ويَخْرُج القُرْآن عن كَوْنه كلاماً - لله - تعالى -، ويَنْدَفع هذا التَّنَاقُض بألا نَقْبَل هذه القراءة.
والثاني: سلّمنا صِحَّة هذه القراءة، لكن نَحْمِلُها على أن القَوْم كَذَبُوا في أنه يَلْزَمه من ثُبُوت مَشِيئة اللَّه - تعالى - في كل أفعال العِبَاد، سُقُوط نُبُوَّة الأنْبِيَاء وبُطْلان دعوتهم وإذا حَمَلْنَاه على هذا الوجه، لم يبق للمُعْتَزِلة تَمَسُّك بهذه الآية.
ومما يُقَوِّي ما ذكَرْنَاه: ما رُوِي عن ابن عبَّاس -
رضي الله عنه
ما -؛ قيل له بَعْد ذهاب بَصَرِه: ما تقول فيمن يَقُول: لا قَدَر؟ فقال: إن كان في البَيْت منهم أحَدٌ أتَيْتُ عَلَيه ويلهُ أما يَقُول اللَّه:
{
{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }
[القمر:49]
{
{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُم }
[يس:12].
وقال ابن عباس: "أول ما خَلَق اللَّه القَلَم، فقال له: اكتب، فَجَرَى القَلَم فكتب بما يكُون إلى قيام السَّاعَة" وقال - صلوات الله وسلامه عليه -: "المُكَذِّبُون بالقَدَرِ مَجُوسُ هذِهِ الأمَّةِ".
قوله: "وَلاَ آبَاؤُنَا" عَطْف على الضَّمِير المَرْفُوع المتَّصِل، وزعم سيبويه: أن عطف الظَّاهِر على المُضْمَر المرْفُوع في الفِعل قبيحٌ، فلا يَجُوز أن يُقال: "قمت وزيْد"؛ لأن المَعْطُوف عليه أصْلٌ والعَطْف فَرْع المُضْمَر، والمُظْهَر قويٌّ فجعله فَرْعاً للضَّعِيف لا يَجُوز، وإذا عُرِف هذا فَنَقُول: إن جَاء الكلامُ في جَانِب الإثْبَاتِ؛ وجب تَأكيد المُضْمَر فتقول: "أنا وَزيْد"، وإن جاء في جَانِب النَّفْي قلت: "ما قُمْتُ ولا زَيْد" وإذا ثَبَتَ هذا؛ فنقول: قوله: { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } فعطف قوله: "ولا آباؤُنَا" على فَاعِل الضَّمِير في قوله: "ما أشْرَكْنَا" ولم يأتِ هنا بتأكيد بِضَمِير رَفْع مُنْفَصِل، ولا فَاصِل بين المُتعاطِفَيْن اكتفاء بُوجُود "لا" الزَّائِدة للتَّأكيد فَاصِلة بين حَرْف العَطْفِ والمَعْطُوف، وهذا هو على قَوَاعِد البَصْرِيِّين، وأمّا الكُوفِيُّون فلا يَشْتَرِطُون شَيْئاً من ذلك، وقد تقدَّم إتْقَان هذه المَسْألة.
وفي هذه الآية لم يُؤكِّد الضمير، وفي آية النَّحْل أكّدَ؛ فقال تعالى:
{
{ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا }
[النحل:35] وهناك أيضاً قال: "مِن دُونِه" مَرَّتين وهنا قَالَها مرة واحدة، فقال أبُو حيَّان: "لأن لَفْظ "العِبَادة" يَصِحُّ أن يُنْسَب إلى إفْرَاد اللَّه بها، وهذا لَيْس بِمُسْتَنْكر، بل المُسْتَنْكِر عبادة غَيْر اللَّه، أو شيء مع اللَّه، فناسب هنا ذِكْر "مِن دُونه" مع العِبَادة، وأمّا لَفْظ "مَا أشْرَكْنَا" فالإشْرَاك يدلُّ على إثْبَات شَرِيكٍ، فلا يتركَّبُ مع هذا الفِعْل لَفْظ "مِن دُونهِ" لو كان التَّرْكِيب في غَيْر القُرْآن: "ما أشْرَكْنا من دُونه" [لم يَصِحَّ المَعْنَى.
وأمّا "مِن دُونه" الثَّانية، فالإشْرَاك يَدُلُّ على تَحْرِيم اشْياء وتحليل أشياء، فلمْ يَحْتَج إلى لفظ "مِن دُونِهِ"] وأمّا لفظ العِبَادة فلا يَدُلُّ على تَحْرِيم شَيْءٍ كما يدلُّ عليه لفظ "أشْرَك" فَقُيِّد بقوله: "مِنْ دُونِهِ" ولما حَذَف "مِن دُونِهِ" هنا نَاسب أن يُحْذَف "نَحْن" ليطَّرِدَ التَّرْكِيب في التَّخْفِيف".
قال شهاب الدِّين: "وفي هذا الكلام نَظَر لا يَخْفَى".
قوله: "مِن شَيْءٍ"مِنْ" زائدة في المَفْعُول، أي: ما حَرَّمْنا شَيئاً، و "من دُونِه" متعلِّق بـ "حرّمنا" أي: ما حَرَّمنا من غير إذْنه لَنَا في ذلِك.
قوله: "وكذالك" نعت لِمَصْدر مَحْذُوف، أي: مثل التَّكْذِيب المُشَار إليه في قوله: "فإن كَذَّبُوك".
وقُرىء: "كَذَب" بالتَّخْفِيف.
وقوله: "حَتَّى ذَاقُوا" جاء به لامْتِداد التكْذيب, وقوله: "مِنْ عِلْم" يحتمل أن يَكُون مُبْتَدأ و "عِنْدَكم" خبر مُقدَّم، وأن يكون فَاعِلاً بالظَّرْف؛ لاعتماده على الاسْتِفْهام، و "مِنْ" زائِدة على كِلاَ التَّقْدِيريْن.
وقرأ النَّخْعِي وابن وثاب: "إن يتِّبِعُون" بياء الغَيْبَة.
قال ابن عطيَّة: وهذه قِرَاءة شاذَّة يُضَعِّفها قوله: { وَإِنْ أَنْتُم إِلاَّ تَخْرُصُونَ } يعني: أنه أتى بَعْدَها بالخِطَاب فبعُدت الغَيْبَة، وقد يُجَاب عنه بأنَّ ذلك من بَابِ الالتِفَات.
قوله: "قُلْ فَلِلِّهِ" بين "قُلْ" وبين "فَلِلَّهِ" شيء مَحْذُوف، فقدّره الزمخشري شرطاً؛ جوابه: فِلِلَّهِ؛ قال: "فإن كان الأمر كما زَعَمْتُم من كَوْنِكُم على مشِيئَة اللَّه فللَّه الحُجَّة".
وقدّره غيره جُمْلة اسميَّة، والتقدير: قل أنْتُم لا حُجَّة لكم على ما ادَّعَيْتُم فَلِلَّهِ الحُجَّة البَالِغَة عليكم، والحدة البالغة: هي التي تَقْطَعُ عذر المَحْجُوج، وتطرد الشَّكَ عمن نَظَر فيها.
قوله: { فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }.
احتج به أهْلُ السُّنَّة على أن الكُلَّ بمشيئَة الله - تعالى -؛ لأنَّ كلمة "لَوْ" في اللُّغة تُفيد انْتِفَاء الشَّيْ لانْتِفَاء غَيْره، فدلّ هنا على أنَّه - تعالى - ما شَاءَ أن يَهْدِيهم وما هَدَاهُم أيضاً، وتَقْرِيُره بالدَّلِيل العَقْلِي: أن قُدَرَة الكَافِر على الكُفْرِ إن لَمْ تكن قُدْرَة على الإيمان، فاللَّه - تعالى - عَلَى هذا التَّقْدير ما أقْدَرَهُ على الإيمان، فلو شَاءَ الإيمان منه، فَقَدْ شَاءَ الفِعْل من غير قُدْرَةٍ على الفِعْلِ، وذلك مُحَالٌ، ومشِيئَةُ المُحَال مُحَال، وإن كانت القُدْرَةُ على الكُفْرِ قُدْرَةٌ على الإيمانِ، تَوَقَّف رُجْحَان أحد الطَّرَفَيْن على حُصُول الدَّاعِية المُرَجِّحَة.
فإن قُلْنَا: إنه - تعالى - خلق تلك الدَّاعِيَة المُرَجِّحَة، مع القُدْرَة، ومَجْمُوعُهما للفعل، فَحَيْثُ لم يَحْصُل الفِعْل، عَلِمنا أن تِلْكَ الدَّاعِيَة لَمْ تَحْصُل، وإذا لم تَحْصُل، امتَنَع منه فِعْل الإيمان، وإذا امْتَنَع ذلك منه، امْتَنَع أن يُريدَه اللَّه مِنْه؛ لأن إرَادَة المُحَال مُحَالٌ مُمْتَنِع، فثبت أن ظَاهِر القُرْآن العَظيم دلّ على أنّه مَا أرَادَ الإيمان من الكَافِرِ، والبُرْهَان العَقْلِي الذي قَرَّرْنَاهُ يدل عليه أيضاً، فَبَطَل قولُهُم من كُلِّ الوُجُوه.
فإن قالوا: نَحْمِل هذه الآيةِ على مَشِيئَة الإلْجَاءِ.
فنقول: هذا التَّأويل إنما يَحْسُن المصير إليه: لو ثَبَت بالبُرْهَان العقْلِيِّ امتِنَاع الحَمْل على [ظَاهِرِ هذا الكلام، أمّا لو قام البُرْهَان العَقْلِيُّ على] أن الحقِّ ليس إلاَّ ما دلّ عليه هذا الظَّاهِر، فكيف يُصَار إلى التَّأويل؟ ثم نقول: التأويل بَاطِلٌ لوجوه:
الأول: ان هذا الكلامَ لا بُدَّ فيه من إضْمَار، والتقدير: ولو شَاءَ اللَّه الهِدايةَ لهَدَاكُم، وأنتم تَقُولون: التقدير: لو شاء الله الهِدَاية على سبيل الإلْجَاءِ لهَداكُم، فإضْمَارُكُم أكثر، فكَان قَوْلُكُم مرجُوحاً.
الثاني: أنه - تبارك وتعالى - يُريد من الكَافِر الإيمان الاخْتِيَاريِّ؛ والإيمان الحَاصِل بالإلْجَاءِ، غير الإيمانِ الحَاصِلَ بالاخْتِيَار، وعلى هذا التَّقدير: يلزم كَوْنُه - تعالى - عاجزاً عن تَحصِيل مرادِهِ؛ لأن مُرَادَهُ الإيمان الاخْتِيَاري، وأنه لا يَقْدِر ألْبَتَّة على تحْصِيلهِ، فكان القَوْلُ بالعَجْزِ لاَزِماً.
الثالث: أن هذا الكلام موقُوفٌ على الفَرْق بَيْن الإيمان الحاصِلِ بالاخْتِيَار، وبين الإيمان الحَاصِل بالإلْجَاءِ.
أمّا الإيمان الحاصل بالاختيار فإنه يَمْتَنِع حصُولُه إلاعِنْد داعيَةٍ جَازِمَة، وإرادة لازِمَة، فإن الدَّاعية التي يترتَّبُ عليها حُصُول الفِعْل؛ إمّا أن تكون بحيث يَجِبُ ترتُّبُ الفِعْل عليها، أوْ لا يَجِب، فإن وَجَبَ، فهي الدَّاعية الضَّرُوريِّة، وحينئذٍ لا يَبْقى بينها وبين الدَّوَاعِي الحَاصِلة بالإلْجَاء فَرْق، وإن لم يجب تَرَتُّب الفِعْل، فحينئذ يُمْكِن تخلُّف الفِعْل عنها، فلْنَفْرِض تارة ذلك الفِعْل مُتَخَلِّفاً عنا، وتارة غير مُتَخَلِّفٍ، فامْتِيَاز الوَقْتَيْن عن الآخَرِ لا بُدّ وأن يَكُون لِمُرَجِّح زائدٍ، فالحَاصِل قبل ذلك ما كان تَمَام الدَّاعِية، وقد فرضْنَاه كذلك، هذا خلف، ثم انْضِمَام هذا القَيْد الزَّائِد وجب الفِعْل، لم يبق بَيْنَه وبين الضَّرُورة فرْقٌ، فإن لم يَجِب، افْتَقَر إلى قيد زَائدٍ، ولزم التَّسَلْسُل وهو مَحَالٌ؛ فَثَبَت أن الفَرْق الذي ذَكَرُوه بين الدَّاعِية الاخْتِيَاريَّة وبين الدَّاعِيَة الضَّرُورية، وإن كان في الظَّاهر معتَبَراً، إلاَّ أنه عند التَّحْقِيق والبحث لا يبقى له مَحْصُولٌ.
x
x
x
x
x
x
x
x
x
x
اختر كتب التفسير المراد اضافتها للمقارنة :
--- كل المدارس ---
أمهات التفاسير
تفاسير أهل السنة
تفاسير أهل السنة الصوفية
تفاسير أهل السنة السلفية
تفاسير ميسرة
تفاسير الشيعة الإثنى عشرية
تفاسيرالزيدية
تفاسيرالاباضية
تفاسير حديثة
تفاسير مختصرة
موافق
أعلى الصفحة
2024 © جميع الحقوق محفوظة