التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ
٢٣
ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢٤
-الأنعام

اللباب في علوم الكتاب

قرأ حمزة والكسائي: "يَكُنْ" بالياء من تحت، "فتنتهم" نَصْباً.
وابن كثير، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "تَكُنْ" بالتاء من فوق، "فِتْنَتُهُمْ" رفعاً.
والباقون بالتاء من فوق أيضاً، "فِتنتَهم" نصباً.
فأمَّا قراءة الأخويْنِ فهي أفْصَحُ هذه القراءات لإجرائِهَا على القواعد من غير تأويل، وَوَجْهُهَا أنَّ "فتنتهم" خبر مقدَّمٌ، وإن قالوا بتاويل اسم مؤخر.
والتقدير: "ثم لم تكن فِتْنَتهُمْ إلاَّ قولُهم". وإنما كانت أفصح؛ لأنه إذا اجتمع اسْمَانِ: أحدهما أعرفُ، فالأحْسَنُ جعله اسماً مُحَدَّثاً عنه، والآخر خَبَراً حديثاً عنه.
و"أن قالوا" يشبه المضمر، والمضمر أعرف المعارف، وهذه القراءة جُعِلَ الأعرفُ فيها اسْماً لـ "كان" وغير الأعرفِ خبرها، ولم يؤنّث الفعل لإسناده إلى مذكر.
قال الواحدي: والاختيارُ قراءة من جعل "أن قالوا" الاسم ذوي الخبر؛ لأنه إذا وصلت بالفعل لم تُوصَفْ، فأشبهت بامتناع وَصْفِهَا المُضْمَرِ، فكما أنَّ المُضْمَرَ، والمظهر إذا اجتمعا كان جَعْلُ المضمر اسماً أوْلَى من جعله خبراً، تقول: كنت القائم.
وأما قراءة ابن كثير ومن معه فـ "فتنتهم" اسْمُهَا، ولذلك أنِّثَ الفِعلُ لإسناده إلى مؤنّث، و"إلاَّ أنْ قالوا" خَبَرُهَا، وفيه أنك جعلت غير الأعرف اسماً، والأعرف خبراً، فليست في قُوَّةِ الأولَى.
وأمَّا قراءةُ الباقين فـ "فتنتهم" خبر مقدمٌ، و "إلاَّ أن قالوا" اسم مؤخَّرٌ، وهذه القراءةُ وإن كان فيها جَعْلُ الأعْرَفِ اسْماً - كالقراءة الأولى، إلا أنَّ فيها لِحَاقُ علامَةِ تأنيث في الفعل مع تذكير الفاعل، ولكنه بتأويل.
فقيل: لأنه قوله: "إلاَّ أنْ قالوا" في قوة مقالتهم.
وقيل: لأنه هو الفِتْنَةُ في المعنى، وإذا أخبر عن الشَّيءِ بمؤنَّثٍ اكتسب تأنيثاً،فعومل مُعامَلَتهُ.
وجعل أبو علي منه
{ { فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام:160] لمَّا كانت الأمْثَالُ هي الحَسَنَاتُ في المعنى عُومِلَ مُعَامَلَة المُؤنَّثِ، فسقطت "التاء" من عَدَدِهِ، ومثلُ الآية قوله: [الطويل]

2124- ألَمْ يَكُ غَدْراً مَا فَعَلْتُمْ بسَمْعَلٍ وَقَدْ خَابَ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتَهُ الغَدْرُ

فـ "كانت" مُسْند إلى "الغَدْرِ" وهو مذكَّر، لكن لما أخبر عنه بمؤنث أنَّث فِعلَه.
ومثله قول لَبيدٍ: [الكامل]

2125- فَمَضَى وَقَدَّمَهَا وَكَانَتْ عَادَةً مِنْهُ إذَا هِيَ عَرَّدَتْ إقْدَامُهَا

قال أبو عَلِيّ: فأنَّث الإقدام لما كان كالعادة في المعنى قال: وقد جاء في الكلام: "ما جاءَتْ حَاجَتُكَ" فأنّث ضمير "ما" حيث كانت كالحاجة في المَعْنَى، ولذلك نصب "حاجتك".
وقال الزمخشري: "وإنما أنَّث "[أن] قالوا" لوُقُوعِ الخبر مؤنّثاً كقولهم: من كانت أمَّك".
قال أبو حيَّان: وكلام الزَّمخشري ملفقٌ من كلام أبي عَلِيّ، وأمَّا "من كانت أمك" فإنه حَمَلَ اسمَ "كان" على معنى "مَنْ"، فإنَّ لها لَفْظاً مُفرداً مذكّراً، ولها معنى بحسب ما تريد من إفراد وتَثنيةٍ وجَمْعٍ وتذكيرٍ وتأنيثٍ، وليس الحَمْلُ على المعنى لِمْراعَاةِ الخَبَرِ، ألا ترى أنه يجيء حيث لا خبر، كقوله:
{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } [يونس:42].
وقوله: [الطويل]

2116-.............. تكُنْ مَثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ

قال شهاب الدين -رحمه الله تعالى -: ليت شِعْري، ولأي معنى خصَّ الزمخشري بهذا الاعتراضِ، فإنه وَارِدٌ على أبي عَلِيٍّ أيضاً؟ إذ لقائل أن يقول: التأنيثُ في "جَاءَتْ" للحمل على معنى "ما" وإنْ لها هي أيضاً لفظاً ومعنى مِثْل "مَنْ"، على أنه يقال: للتأنيث عِلَّتانِ، فذكر [إحداهما، ورجَّح] أبو عُبيدة قراءة الأخويْنِ بقراءة أبَيّ، وابن مسعود: "وما كان فتنتهم إلاَّ أن قالوا" فلم يُلْحِق الفعل علامة تأنيثٍ، ورجَّحها غيره بإجماعهم على نَصْبِ "حُجَّتهم" من قوله تبارك وتعالى: { { مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [الجاثية:25].
وقرئ شاذاً "ثم لم يكن فتنتهم إلا أنه قالوا" بتذكير "يكنْ"، ورفع "فتنتهم".
ووجه شُذُوذِهَا سقوط علامةِ التأنيث، والفاعل مؤنّث لَفْظاً، وإن كان غير حَقيقيٍّ، وجَعْلُ غير الأعْرَفِ اسماً، والأعرف خبراً، فهي خبراً، فهي عَكْسُ القراءة الأولى، من الطَّرَفَيْنِ، و"أن قالوا" مما يجب تأخيره لِحَصْرِهِ سواء أجُعِلَ اسماً أم خبراً.
فصل في معنى الفتنة في الآية
معنى قوله: "فتنتهم"، أي: قولهم وجوابهم.
وقال ابن عبَّاسٍ، وقتادة: معذرتهم، والفِتْنَةُ التِّجْرِبةٌ، فلمَّا كان سؤالهم تَجْرِبَةً لإظهار ما في قلوبهم قيل: فَتْنَة.
فصل في بيان لطيفة في الآية
قال الزَّجَّاج -رحمه الله - "لم تَكُنْ فتنتهم" معنى لَطِيفٌ، وذلك لأنَّ الله - تبارك وتعالى - بيَّن أنَّ المشركين مَفْتُونُونَ بِشِرْكِهِمْ متهالكين على حبّه، فأعلم في هذه الآية الكريمة أنه لم يَكُنْ افتتانهم بشركهم، وإقامتهم عليه إلاَّ أن تَبَرَّأوا عنه وتباعَدُوا، فَحَلفُوا أنهم ما كانوا مشركين، ومثاله أن ترى إنساناً ما يُحِبُّ طريقةً مذمومة، فإذا وقع في فِتْنَةٍ بسببه تَبَرَّأ منه، فيقال له: "ما كانت محبتك لفلان إلاَّ أن فَرَرْتَ منه"، فالمُرَادُ بالفتنة هنا افْتِتَانُهُمْ بالأوْثَانِ، ويتأكد بما روى عَطَاءٌ عن ابن عباس أنه قال: "لم تكن فتنتهم" معناه: شركهم في الدنيا، وهذا القولُ راجعٌ إلى حذف المضاف؛ لأن المعنى ثُمَّ لم تكن عَاقِبَةُ أمرهم فتنتهم إلاَّ البَرَاءة.
قوله: "واللَّهِ رَبِّنَا" قرأ الأخوان: "ربَّنا" نَصْباً، والباقون جراً.
ونصبه: إمَّا على النِّداء، وإمَّا على المَدْحِ، قاله ابن عطيَّة -رحمه الله - وإمَّا على إضْمَار "أعني"، قاله أبو البقاء، والتقدير: يا ربنا.
وعلى كُلِّ تقدير فالجملة مُعْتَرضَةٌ بين القسم وجوابه، وهو قوله { مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } وخفضه من ثلاثة أوجه: النعت، والبدل، وعطف البَيان.
وقرأ عكرمة، وسلام بن مسكين: "واللَّهُ رَبُّنا" برفعهما على المبتدأ والخبر.
قال ابن عطية: "وهذا على تَقدِيمٍ وتأخيرٍ، كأنهم قالوا: واللَّهِ ما كُنَّا مشركين واللَّهُ ربُّنَا" يعني: أن ثَمَّ قَسَماً مُضْمَراً.
فصل في الكلام على الآية
ظاهرُ الآية الكريمة يقتضي أنهم حَلَفُوا في القيامة أنهم ما كانوا مشركين، وهذا يقتضي إقْدَامَهُمْ على الكذب يوم القيامة، وللناس فيه قولان:
الأول: وهو قول أبي على الجبائي والقاضي -: أنه أهل القيامة لا يجُوز إقدامهم على الكذب واحتج عليه بوجوه:
الأول: أن أهل القيامة يعرفون الله بالاضطرار وأنهم لو عرفوه بالاستدلال لصار موقف القيامة دَاَرَ تكْليفٍ، وذلك باطلٌ، وإذا كانوا عارفين بالله على سبيل الاضطرار وجب أنْ يكونوا مُلْجئين إلى ألاَّ يفعلوا القبيح، وذلك يقتضي ألاَّ يقدم أحَدٌ من أهل القيامة على الكذبِ، فإن قيل: لم لا يجوز أن يُقالَ: إنهم أقدموا على فعل القَبيح؛ لأنهم لمَّا عَايَنُوا أهْوَال يوم القيامة اضطربت عُقُولُهُمْ، فقالوا هذا الكذب عند اخْتِلاَلِ عقولهم، أو يقال: إنهم نسوا كونهم مشركين في الدنيا؟
فالجواب عن الأوَّل: أنه لا يجوز أن يحشرهم ويوبخهم بقوله:
{ { أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُون } [الأنعام:22] ثم يحكي اعتذارهم مع أنهم غير عُقلاء، هذا لا يليقُ بحكمة اللَّه تعالى.
وأيضاً فلا بُدَّ وأن يكونوا عقلاء يوم القيامة ليعلموا أنهم فيما يعاملهم اللَّهُ به غير مظلومين. والجوابُ على الثاني: أنَّ نِسْيَانَهُمْ لما كانوا عليه طُول عمرهم في دار الدنيا مع كمال العقل [بعيدٌ]، وإنما يجوز أن ينسى اليسير من الأمور.
الوجه الثاني: أنَّ هؤلاء الذين أقْدَمُوا على الكذب إمَّا أن يُقال: إنهم عُقَلاءُ أو غيرعقلاء، فالثاني باطلٌ، لأنه لا يليق بحكمة الله تعالى أن يحكي كلام المجَانين في معرض تمهيد العُذْرِ وإن كانوا عقلاء يعلمون أنَّ اللَّهَ عالمٌ أحْوَالَهُمْ مُطَّلِعٌ على أفعالهم، ويعلمون أنَّ تجويز الكذب على اللَّهَ - تعالى - مُحَالٌ، وأنهم لا يستفيدون بذلك الكذب إلاَّ زيادة المَقْتِ والغَضَبِ، وإذا كان كذلك امتنع إقدامهم في مثل هذه الحالة على الكذب.
الوجه الثالث: أنهم لو كذبوا في مَوْقِفِ القيامة، ثُمَّ حَلَفُوا على ذلك الكذب لكانوا قد أقْدَمُوا على نوعين من القَبيحِ، فإن قلنا: إنهم يستحقُّون بذلك العقابَ، صارت الدار الآخرة دَارَ تكليف، وأجمعوا على أنَّ الأمْرَ ليس كذلك.
وإن قلنا: إنَّهم لا يستحقُّون على ذلك الكذب، ولا على ذلك الحلف الكاذب عِقَاباً، فهذا يقتضي حُصُول الإذن من اللَّهِ - تعالى - في ارتكاب القَبَائِِحِ، وذلك باطلٌ فثبت بهذه الوجوه أنه لا يجوز إقدَامُ أهل القيامة على القبيح والكذبِ، وإذا ثبت هذا فَيُحْمَلُ قولهم: "واللَّهِ ربِّنَا ما كنا مشركين" في اعتقادنا وظُنُوننا؛ لأن القوم يعتقدون ذلك.
فإن قيل: فعلى هذا التقدير يكونون صادقين في قولهم، فلماذا قال تبارك وتعالى { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ } فالجواب أنه ليس يجب من قوله: { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ } انهم كذبوا فيها تقدَّم ذِكْرُهُ من قولهم: { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين }، بل يجوز أن يكون المراد { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } في دار الدُّنْيَا في أمور يخبرون عنها بأنَّ ما هم عليه لَيْسَ بشرْكٍ، وأنهم على صواب ونحوه، فالمقصود من قوله تعالى: { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } اخْتِلافُ الحالتين، وأنهم كانوا في دار الدنيا يكذبون، وأنهم في الآخرة يتحرَّزُون عن الكذب، ولكن حيث لا ينفعهم الصِّدْقُ، فلتعلّق أحد الأمرين بالآخر، أظهر الله - تعالى - للرسول ذلك.
القول الثاني: قول جمهور المفسرين-: أن الكفار يكذبون في القيامة واسْتَدلُّوا بوجوه:
أحدهما: ما حكى اللَّهُ - تعالى - عنهم أنهم يقولون:
{ { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُون } [المؤمنون:107] مع أنه - تعالى - أخبر عنهم بقوله: { { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام:28].
وثانيها: قوله تبارك وتعالى:
{ { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُون } [المجادلة:18] بعد قوله تعالى: { { وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ } [ المجادلة:14] فَشَبَّهَ كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدينا.
وثالثها: ما حَكَاهُ - تعالى - عنهم:
{ { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [الكهف:19].
والجوابُ عما قاله الجُبَّائي بان يُحْمَلَ قولهم ما كانوا مشركين في ظُنُونهم، هذا مُخَالفٌ للظَّاهرِ، ثّمَّ قوله بعد ذلك: { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ } بأنه مَحْمُولٌ على كذبهم في الدنيا يوجبُ تفكيك نَظْمِ الآية، وصَرْفََ أول الآية إلى أحوال القيامة، وصَرْفَ آخرها إلى أحوال الدنيا، وهو في غاية البُعْدِ.
وقولهم: كذبوا في حال كَمَالِ العَقْلِ، وحال نُقْصَانِهِ، فنقول: لا يبعد أنهم حَالَ ما عَايَنُوا أهوال القيامة، وشاهدوا مُوجِبَاتِ الخوف الشديد أخْتَلَّتْ عقولهم، فذكروا هذا الكلام.
قولهم: كيف يَلِيقُ بحكمة اللَّهِ - تعالى - أن يحكي عنهم ما ذكروه في حال اضْطِرَابِ العقول؟
فالجوابُ: هذا يوجب الخوف الشديد وذلك في دار الدنيا وأمَّا قولهم: إنَّ المكلفين لا بُدَّ وأن يكونوا عقلاء يوم القيامة فنقول: اخْتلالُ عقولهم سَاعةً واحدة حال ما يتكلمون بهذا الكلام لا يمنع من كمالِ عقولهم في سِائرِ الأوقات.
قوله: { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ } "كيف" مَنْصُوبٌ على حدِّ نصبها في قوله:
{ { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ } [البقرة: 28] وقد تقدَّم.
و"كيف" وما بعدها في محل نصب بـ "انظر"؛ لأنها معلقةٌ لها عن العملِ، و"كَذَبُوا" وإن كان معناه مُسْتَقْبلاً، لأنه في يوم القيامة، فهو لتَحَقُّقِهِ أبرزه في صورة الماضي.
وقوله: "وضَلَّ" يجوز أن يكون نَسَقاً على "كذبوا"، فيكون داخلاً في حيِّزِ النَّظَرِ، ويجوز أن يكون اسْتِئنْافَ إخبارٍ، فلا يندرج في حيِّز المنظور إليه.
قوله: ما كانُوا" يجوز في "ما" أن تكون مصدريةً، أي: وضَلَّ عنهم افتراؤهم، وهو قول ابن عطية ويجوز أن تكون موصولة اسمية أي: وضل عنهم الذي كانوا يفترونه، فعلى الأول يحتاج إلى ضمير عائدٍ على "ما" عند الجمهور، وعلى الثاني لا بُدَّ من ضمير عند الجميع.
ومعنى الآية: انظر كيف كذبُوا على أنفسهم باعْتِذَارهم بالباطل وتَبرِّيهمْ عن الشرك.
و"ضلَّ عنهم": زَالَ وذهب ما كانوا يفترون من الأصنام، وذلك أنهم كانوا يَرْجُونَ شَفَاعَتَهَا ونُصْرَتَهَا، فبطل ذلك كله.