التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ
٧
-الأنفال

اللباب في علوم الكتاب

قوله "وإذْ يعدُكُمُ"إذْ" منصوب بفعل مقدر، أي: اذكر إذْ، والجمهور على رفع الدال؛ لأنَّه مضارع مرفوع.
وقرأ مسلمة بنُ محاربٍ: بسكونها على التَّخفيفِ لتوالي الحركاتِ.
وقرأ ابنُ محيصن "يعدكم اللَّهُ احدى" يوصل همزة أحْدَى تخفيفاً على غير قياس، وهي نظير قراءة من قرأ: { إِنَّهَا لَحْدَى } [المدثر: 35] بإسقاط الهمزة أجرى همزة القطع مُجْرَى همزة الوصل، وقرأ أيضاً أحَد بالتَّذكير؛ لأنَّ الطائفة مؤنث مجازي.
فصل
إحدى الطائفتين أي: الفرقتين:
أحدهما: أبو سفيان مع العير، الأخرى أبو جهل مع النَّفيرِ، و "أنَّها لَكُمْ" منصوبُ المحلِّ على البدلِ مِنْ إحْدَى أي: يَعِدُكم أنَّ إحدى الطائفتين كائنة لكم، أي: تتسلَّطُون عليها تسلُّط المُلاَّكِ، فهي بدل اشتمال وتوَدُّونَ تريدون: { أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } يعني: العير التي ليس فيها قتال والشَّوكةُ: السلاح كسِنان الرُّمح، والنصل والسَّيف، وأصلها من النَّبتِ الحديدِ الطرف، كـ: "شَوْكِ السَّعدانِ"، يقال منه: رَجُلٌ شائِكٌ، فالهمزة مِنْ "واوٍ"، كـ: قائم، ويجوزُ قلبه بتأخير عينه بعد لامه، فيقال: شاكٍ، فيصير كـ: غازٍ، ووزنهُ حينئذ فالٍ.
قال زهيرٌ: [الطويل]

2672 - لَدَى أسَدٍ شَاكِي السِّلاحِ مُقذَّفٍ لهُ لبدٌ أظفارهُ لمْ تُقلَّمِ

ويُوصفُ السلاحُ: بالشَّاكي، كما يوصف به الرَّجُل، فيقال: رجلٌ شاكٌ، وشاكٍ، وسلاحٌ شاكٌ، وشاكٍ. فأمَّا "شاكٌ" غير معتل الآخر، وألفه منقلبةٌ عن عين الكلمة، ووزنهُ في الأصل على فَعِل بكسر العين، ولكن قلبت ألفاً، كما قالوا: كبشٌ صافٌ أي صوف، وكذلك "شاكٌ" أي: شَوِكٌ.
ويحتمل أن يكون محذوف العين، وأصله "شَائِكٌ"، فحذفت العين، فبقي "شاكاً" فألفه زائدةٌ، ووزنه على هذا "فالٍ".
وأمَّا: "شاكٍ" فمنقوصٌ، وطريقته بالقلب كما تقدم ومن وصف السلاح بالشاك قوله: [الوافر]

2673 - وألْبِسُ من رضاهُ في طريقِي سلاحاً يَذْعَرُ الأبطالَ شَاكَا

فهذا يحتمل أن يكون محذوف العين، وأن يكون أصله "شوكاً"، كـ: صَوِف. ويقال أيضاً: هو شاكٌّ في السلاح، بتشديد الكافِ، من "الشِّكَّة"، وهي السلاح أجمع، نقله الهرويُّ، والرَّاغبُ.
قال: إنَّكُم تريدون الطائفة التي لا حدة لها، يعني: العير، ولكن الله يريدُ التَّوجُّهَ إلى الطائفة الأخرى ليحق الحقَّ بكلماته.
وقرأ مسلمة بن محارب: "بكلمته" على التَّوحيدِ، والمراد به: اسم الجنس فيؤدِّي مؤدَّى الجمع، والمرادُ بقوله: "بِكلماتِهِ" أي: بأمره إيَّاكم بالقتالِ، وقيل: بهدايته التي سبقت من إظهار الدّين وإعزازه: { وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ } والدَّابرُ الآخر من دبر، ومنه دابرة الطَّائر وقطع الدَّابر عبارة عن الاستئصال أي: ليستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد.