التفاسير

< >
عرض

وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ
٥٤
فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ
٥٥
وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ
٥٦
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ
٥٧
وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
٥٨
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ
٥٩
-التوبة

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ } الآية.
"أنْ تُقْبَلَ" فيه وجهان، أحدهما: أنه مفعول ثانٍ، لـ "مَنَعَ" إمَّا على تقدير إسقاطِ حرف الجر، أي: من أن يقبل، وإمَّا لوصول الفعل إليه بنفسه؛ لأنَّك تقول: منعتُ زيداً حقَّه ومن حقه. والثاني: أنَّهُ بدلٌ من "هم" في: "مَنَعَهُمْ"، قاله أبو البقاءِ، كأنَّهُ يريد: بدل الاشتمال، ولا حاجة إليه. وفي فاعل "مَنَعَ" وجهان:
أظهرهما: أنَّهُ { إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ } أي: ما منعهم قبول نفقتهم إلاَّ كفرهم.
والثاني: أنَّهُ ضمير الله تعالى: أي وما منعهم الله، ويكون "إِلاَّ أَنَّهُمْ" منصوباً على إسقاط حرف الجر، أي: لأنَّهم كفروا. وقرأ الأخوان "أن يُقْبَلَ" بالياءِ من تحت. والباقون بالتَّاء من فوق. وهما واضحتان، لأنَّ التأنيث مجازي. وقرأ زيد بن علي كالأخوين إلاَّ أنَّه أفرد النفقة. وقرأ الأعرج "تُقبل" بالتاء من فوق، "نَفَقَتهُم" بالإفراد. وقرأ السُّلمي "يَقْبل" مبنياً للفاعل، وهو الله تعالى. وقرىء "نَقْبل" بنون العظمة، "نفقتهم" بالإفراد.
فصل
ظاهر اللفظ يدل على أنَّ منع القبول معلل بمجموع الأمور الثلاثة، وهي الكفر بالله ورسوله، وإتيان الصَّلاة وهم كسالى، والإنفاق على سبيل الكراهية.
ولقائل أن يقول: الكفر بالله سبب مستقل في المنع من القبولِ، فلا يبقى لغيره أثر، فكيف يمكن إسناد الحكم إلى السببين الباقيين؟.
وجوابه: أنَّ هذا الإشكالِ إنما يتوجَّهُ على قول المعتزلةِ، حيث قالوا: إنَّ الكفر لكونه كفراً يؤثر في هذا الحكم، أما عند أهْلِ السُّنَّةِ: فإنَّ شيئاً من الأفعال لا يوجب ثواباً ولا عقاباً وإنَّما هي معرفات، واجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد جائز.
فصل
دلَّت الآية على أنَّ شيئاً من أعمال البر لا يقبل مع الكفر بالله تعالى.
فإن قيل: كيف الجمع بينه وبين قوله:
{ { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [الزلزلة:7]؟ فالجوابُ: أن يصرف ذلك إلى تأثيره في تخفيف العقابِ، ودلت الآية على أنَّ الصلاة تجب على الكافر، لأنه تعالى ذمَّ الكافر على فعل الصَّلاة على وجه الكسل.
قال الزمخشريُّ "كُسَالَى" بالضمِّ والفتح جمع: "كَسْلان" نحو "سَكَارى". قال المفسِّرون: معنى هذا الكسل، أنَّهُ إن كان في جماعة صلَّى، وإن كان وحده لم يصلِّ.
وقوله: { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } أي: لا ينفقون لغرض الطاعة بل رعاية للمصلحة الظاهرة.
قوله تعالى: { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ } الآية.
لمَّا قطع في الآية الأولى رجاء المنافقين عن جميع منافع الآخرة، بيَّن ههنا أنَّ الأشياء التي يظنونها من منافع الدنيا؛ فإنه تعالى جعلها أسباباً لتعذيبهم في الدُّنيا.
والإعجاب: هو السرور بالشَّيء من نوع الافتخار به، ومع اعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه. قوله { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } فيه وجهان:
أحدهما: أنه متعلقٌ بـ "تُعْجِبْكَ"، ويكون قوله: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ } جملة اعتراض، والتقدير: فلا تعجبك في الحياةِ، ويجوز أن يكون الجارُّ حالاً من "أمْوالُهُمْ" وإلى هذا نحا ابنُ عبَّاسٍ، ومجاهد، وقتادة، والسدي وابن قتيبة، قالوا في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، والمعنى: فلا تعجبك أموالهم، ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنَّما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة.
قال أبو حيان: "إلاَّ أنَّ تقييد الإعجاب المنهيَّ عنه الذي يكون ناشئاً عن أموالهم وأولادهم من المعلوم أنَّه لا يكون إلاَّ في الحياة الدُّنيا، فيبقى ذلك كأنَّهُ زيادة تأكيد بخلاف التَّعذيب، فإنَّه قد يكون في الدنيا، كما يكون في الآخرة، ومع أنَّ التقديم والتأخير يخصُّه أصحابنا بالضرورة".
قال شهابُ الدين: "كيف يقال - مع نصِّ من قدَّمتُ ذكرهم - أصحابنا يخصُّون ذلك بالضَّرورة؟ على أنه ليس من التقديم الذي يكون في الضرورة في شيءٍ، إنَّما هو اعتراض، والاعتراض لا يقال فيه تقديم وتأخير، بالاصطلاح الذي يخصُّ بالضرورة. وتسميتهم - أعني: ابن عباس، ومن معه رضي الله عنهم - إنَّما يريدون به الاعتراض المشار إليه، لا ما يخصه أهل الصناعة بالضرورة".
والثاني: أنَّ "فِي الحياةِ" متعلقٌ بالتعذيب، والمراد بالتعذيب الدنيويِّ: مصائبُ الدُّنيا ورزاياها أو ما لزمهم من التكاليف الشَّاقة، فإنَّهم لا يرجون عليها ثواباً، قاله ابنُ زيد: أو ما فُرِض عليهم من الزكوات، قاله الحسنُ. وعلى هذا فالضميرُ في "بها" يعود على الأموال فقط، وعلى الأول يعود على "الأولاد، والأموال".
فإن قيل: أيُّ تعذيب في المال والولد وهما من جملة النّعم؟.
فالجوابُ: على القول الأول بالتقديم والتأخير، فالسؤالُ زائل. وعلى الثاني المصائب الواقعة في المالد والولد. وقيل: بل لا بدَّ من تقدير حذف، بأن يقال: أراد بالتعذيب بها من حيث كانت سبباً للعذاب، أمَّا في الدُّنيا، فإن من أحب شيئاً كان تألمه على فراقه شديداً، وأيضاً يحتاج في تحصيلها إلى تعب شديد، ومشاقّ عظيمة، ثم في حفظها كذلك، وأمَّا في الآخرة فالأموال حلالها حساب، وحرامها عذابٌ.
فإن قيل: هذا المعنى حاصل للكلِّ، فما فائدة تخصيص المنافقين؟.
فالجوابُ: أن المنافق لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر فلا ينفق ماله في سبيل الله لأنَّهُ يراه ضياعاً لا يرجو ثوابه، وأما المؤمن فينفق ماله طيبة بها نفسه، يرجو الثواب في الآخرة والمنافق لا يجاهدُ في سبيل الله خوفاً من أن يقتل، والمؤمن يُجَاهدُ، يرجو ثواب الآخرة ثم قال: { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } أي: تخرجُ أنفسهم وهم كارهون. أي: يموتون على الكفر.
قوله: { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } على دينكم { وَمَا هُم مِّنكُمْ } أي: ليسوا على دينكم { وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } يخافون أن يظهروا ما هم عليه فيقتلوا.
قوله: { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ }. "المَلْجَأ": الحِصْن. وقال عطاءٌ: المَهْرب وقيل: الحِرْز وهو "مَفْعَل"، مِنْ: لَجَأ إليه، يلجأ، أي: انحاز. يقال: ألجَأتُهُ إلى كذا أي: اضطررته إليه فالتَجَأ. و "الملجأ" يصلحُ للمصدر، والزمان، والمكان. والظَّاهرُ منها - هنا: المكان. و "المغارات" جمع "مغارة"، وهي الموضع الذي يغور الإنسان فيه، أي: يستقر. وقال أبُو عبيدٍ: كل شيءٍ جزتَ فيه فغبتَ فهو مغارة لك، ومنه: غار الماء في الأرض، وغارت العين. وهي مفعلة، مِنْ: غَارَ يغُورُ، فهي كالغَارِ في المعنى. وقيل: المغارة: السِّرْب، كنفق اليربوع.
والغار: النَّقْبُ في الجبل. والجمهورُ على فتح ميم "مغارات". وقرأ عبدُ الرحمن بن عوف "مُغارات" بالضم، وهو من: أغار، و "أغار" يكون لازماً، تقول العربُ: "أغار" بمعنى "غار" أي: دخل. ويكون متعدّياً، تقول العرب: أغرت زيداً، أي: أدخلته في الغار، فعلى هذا يكون من "أغار" المتعدِّي، والمفعول محذوف، أي: أماكنُ يغيرون فيها أنفسهم، أي: يُغَيِّبُونها. و "المُدَّخل": "مُفْتَعَل" مِنَ: الدخول، وهو بناء مبالغة في هذا المعنى، والأصل: "مُدْتَخل" فأدغمت "الدال" في "تاء" الافتعال كـ: "ادَّانَ" من "الدَّين". وقرأ قتادة، وعيسى بن عمر، والأعمش "مُدَّخَّلاً" بتشديد الدال والخاء معاً. وتوجيهها أن الأصل "مُتدَخَّلاً"، من: تدخَّل" بالتَّضعيف، فلمَّا أدغمت التاء في الدال صار اللفظ "مُدخَّلاً" نحو "مُدَّيَّن" من "تَديَّن".
وقرأ الحسنُ أيضاً، ومسلمةُ بن محاربٍ، وابن أبي إسحاق، وابن محيصن، وابن كثير، في رواية "مَدْخَلاً" بفتح الميم وسكون الدال وفتح الخاء خفيفة، مِنْ "دخل". وقرأ الحسنُ في رواية محبوب كذلك، إلاَّ أنه ضمَّ الميم، جعله من "أدخل". وهذا من أبدع النَّظم، ذكر أولاً الأمر الأعم، وهو "الملجأ" من أي نوع كان، ثم ذكر الغيران التي يُخْتفى فيها في أعلى الأماكن، وهي الجبالُ، ثم ذكر الأماكن التي يختفى فيها في الأماكن السافلة، وهي السُّروب، وهي التي عبَّر عنها بـ "المُدَّخل". وقال الزجاج: يصحُّ أن تكون "المغارات" من قولهم: "حَبل مُغار" أي: محكم الفتل، ثم يستعار ذلك في الأمر المحكم المبرم فيجيء التأويل على هذا: لو يجدون نصرة، أو أموراً مشددة مرتبطة تعصمهم منكم وجعل "المُدَّخَل" أيضاً قوماً يدخلون في جملتهم. وقرأ أبي "مُنْدَخَلاً" بالنون بد الميم، من "انْدخَلَ"؛ قال: [البسيط]

2798-...................... ولا يَدِي في حَميتِ السَّمْنِ تَنْدخِلُ

وأنكر أبو حاتم هذه القراءة عنه، وقال: إنَّما هي بالتاء، وهو معذورٌ، لأنَّ "انفعل" قاصر لا يتعدى، فكيف يبنى منه اسم مفعول؟ وقرأ الأشهب العقيلي "لوالَوْا"، أي: لتتابعوا وأسرعوا وكذلك رواها ابن أبي عبيدة بن معاوية بن نوفل، عن أبيه، عن جده وكانت له صحبة من الموالاة. وهذا مما جاء فيه "فعَّل"، و "فاعل" بمعنى، نحو: ضَعَّفْتُه، وضَاعَفْتُه.
قال سعيد بن مسلم: أظنها "لَوألُوا" بهمزة مفتوحة بعد الواو، من "وأل"، أي: التجأ وهذه القراءةُ نقلها الزمخشري عن أبيّ، وفسَّرها بما تقدم من الالتجاء. و"الجُموح" النُّفُور بإسراع؛ ومنه: فرس جمُوحٌ، إذا لم يرُدَّهُ لِجَامٌ؛ قال: [المتقارب]

2799- سَبُوحاً جَمُوحاً وإحْضَارُهَا كَمَعْمَعَةِ السَّعَفِ المُوقَدِ

وقال آخر: [البسيط]

2800- وقد جَمَحْتُ جِمَاحاً في دِمَائِهِمُ حتَّى رأيتُ ذوي أحْسابِهِمْ جَهَزُوا

وقرأ أنس بن مالك، والأعمش: يَجْمِزُون. قال ابن عطية يُهرولُونَ في مَشيهمْ وقيل: يَجْمِزُونَ، ويَجْمَحُونَ، ويشتدُّون بمعنى".
وفي الحديث:
"فلمَّا أذْلقَتهُ الحجارةُ جَمَزَ" . وقال رؤبة: [الرجز]

2801- إمَّا تَرَيْنِي اليومَ أمَّ حَمْزِ قَاربْتُ بين عَنقي وجمْزِي

ومنه "يَعْدُو الجَمَزَى" وهو أن يجمع رجليه معاً، ويهمز بنفسه، هذا أصله في اللغة وقوله: "إليهِ" عاد الضميرُ على "الملجأ" أو على "المُدَّخل"، لأنَّ العطف بـ "أوْ"، ويجوز أن يعود على "المغارات" لتأويلها بمذكر. ومعنى الآية: أنهم لو يجدون مخلصاً منكم أو مهرباً لفارقوكم.
قوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } الآية.
قرأ العامة "يَلْمِزُكَ" بكسر الميم، من: لَمَزه يَلْمِزه، أي. عابه، وأصله: الإشارة بالعين ونحوها.
قال الأزهري أصله: الدفع، لَمَزتُهُ دفعته وقال الليث هو الغمز في الوجه ومنه: هُمزةٌ لُمَزَة. أي: كثيرُ هذين الفعلين. وقال أبو بكر الأصم "اللَّمز: أن يشير إلى صاحبه بعيب جليسه. والهمز: أن يكسر عينه على جليسه إلى صاحبه". وقرأ يعقوب، وحماد بن سلمة عن ابن كثير، والحسن، وأبو رجاء، ورويت عن أبي عمرو بضمها، وهما لغتان في المضارع. وقرأ الأعمش "يُلْمِزُكَ" مِنْ "الْمَز" رباعياً. وروى حماد بن سلمة "يُلامِزُكَ" على المفاعلة من واحدٍ، كـ: سافرَ، وعاقب.
هذا شرح نوع آخر من طباعهم وأفعالهم، وهو طعنهم في الرسول بسبب أخذ الصدقات، ونزلت في ذي الخويصرة التميمي، واسمه: حرقوص بن زهير، أصل الخوارج.
" قال أبو سعيد الخدري بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم مالاً إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي، وقال: يا رسول الله اعدل، فقال:ويلك من يعدل إذا لم أعدل؟" . فنزلت هذه الآية.
وقال الكلبي:
" قال رجل من المنافقين ويقال له: أبو الجواظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزعم بأن الله أمرك بأن تضع صدقات في الفقراء والمساكين، فلم تضعها في رعاة الشاء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لا أبا لك، فإنما كان موسى راعياً وإنما كان داود راعياً، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما ذهب قال عليه السلام: احذروا هذا وأصحابه، فإنهم منافقون" .
وروى أبو بكر الأصم في تفسيره "أنه عليه السلام قال لرجل من أصحابه: ما علمك بفلان؟ قال ما لي به علم إلا أنك تدينه في المجلس وتجزل له العطاء، فقال عليه السلام: إنه منافق أداريه عن نفاقه، وأخاف أن يفسد عليّ غيره، فقال: لو أعطيت فلاناً بعض ما تعطيه؟ فقال عليه السلام: إنه مؤمن أكلهُ إلى إيمانه، وإنما هذا منافق أداريه خوف إفساده."
قال ابن عباس "يلمزك": يغتابك، وقال قتادة: يطعن عليك، وقال الكلبي: يعيبك في أمرٍ ما، قال أبو علي الفارسي: هنا محذوف والتقدير: يعيبك في تفريق الصدقات فإن أعطوا كثيراً فرحوا، وإن أعطوا قليلاً فإذا هم يسخطون. وقد تقدم الكلام على "إذا" الفجائية، والعامل فيها. قال أبو البقاء: "يسخطون" لأنه قال: إنها ظرف مكان، وفيه نظر تقدم نظيره.
قوله: { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ }. الظاهر أنَّ جواب "لَوْ" محذوفٌ، تقديره: لكان خيراً لهم.
وقيل: جوابها "وقالوا"، والو مزيدةٌ، وهذا مذهبُ الكوفيين. والمعنى { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } أي: قنعوا بما قسم لهم "وقالُوا حَسبُنَا الله" كافينا الله { سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } ما نحتاج إليه { إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } هاتانِ الجملتان كالشَّرح لقولهم: "حَسبُنَا اللهُ"، فلذلك لم يتعاطفا، لأنَّهُمَا كالشَّيء الواحد، فشدَّه الاتصال منعت العطف.