التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦٤
أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ
١٦٥
وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ
١٦٦
قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ
١٦٧
قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ ٱلْقَالِينَ
١٦٨
رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ
١٦٩
فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ
١٧٠
إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ
١٧١
-الشعراء

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

ولما أثبت الداعي إلى طاعته، نفى الناهي عنها فقال: { وما أسئلكم عليه } أي الدعاء إلى الله { من أجر } أي فتتهموني بسببه؛ ونفى سؤاله لغيرهم من الخلائق بتخصيصه بالخالق فقال: { إن } أي ما { أجري إلا على رب العالمين* } أي المحسن إليهم بإيجادهم ثم تربيتهم. فلما وجدوا المقتضى لاتباعه وانتفى المانع، أنكر عليهم ما يوجب عذابهم من إيثارهم شهوة الفرج المخرج لهم إلى ما صاروا به سبة في الخلق فقال موبخاً مقرعاً بياناً لتفاحش فعلهم وعظمه: { أتأتون } أي إتيان المعصية { الذكران } ولعلهم كانوا يفعلون بالذكور من غير الآدميين توغلاً في الشر وتجاهراً بالتهتك لقوله: { من العالمين* } أي كلهم، أو يكون المعنى: من بين الخلائق، أي أنكم اختصصتم بإتيان الذكران، لم يفعل هذا الفعل غيركم من الناكحين من الخلق { وتذرون } أي تتركون لهذا الغرض { ما خلق لكم } أي النكاح { ربكم } المحسن إليكم { من أزواجكم } أي وهن الإناث، على أن "من" للبيان، ويجوز أن تكون مبعضة، ويكون المخلوق كذلك هو القبل.
ولما كانوا كأنهم قالوا: نحن لم نترك أزواجنا، حملاً لقوله على الترك أصلاً ورأساً وإن كانوا قد فهموا أن مراده تركهن حال الفعل في الذكور، قال مضرباً عن مقالهم هذا المعلوم تقديره لما أرادوه به، حيدة عن الحق، وتمادياً في الفجور: { بل أنتم قوم عادون* } أي تركتم الأزواج بتعدي الفعل بهن وتجاوزه إلى الفعل بالذكران، وليس ذلك ببدع من أمركم، فإن العدوان - الذي هو مجاوزة الحد في الشر - وصف لكم أنتم عريقون فيه، فلذلك لا تقفون عند حد حده الله تعالى.
فلما اتضح الحق، وعرف المراد، وكان غريباً عندهم، وتشوف السامع إلى جوابهم، استؤنف الإخبار عنه، فقيل إعلاماً بانقطاعهم وأنهم عارفون أنه لا وجه لهم في ذلك أصلاً لعدولهم إلى الفحش: { قالوا } مقسمين: { لئن لم تنته } وسموه باسمه جفاء وغلظة فقالوا: { يا لوط } عن مثل إنكارك هذا علينا.
ولما كان لما له من العظمة بالنبوة والأفعال الشريفة التي توجب إجلاله وإنكار كل من يسمعهم أن يخرج مثله، زادوا في التأكيد فقالوا: { لتكونن من المخرجين } أي ممن أخرجناه من بلدنا على وجه فظيع تصير مشهوراً به بينهم. إشارة إلى أنه غريب عندهم، وأن عادتهم المستمرة نفي من اعترض عليهم، وكان قصدهم بذلك أن يكونوا هم المتولين لإخراجه إهانة له للاستراحة منه، فكان إخراجه، لكن إخراج إكرام للاستراحة منهم والنجاة من عذابهم بتولي الملائكة الكرام { قال } أي جواباً لهم: { إني } مؤكداً لمضمون ما يأتي به { لعملكم } ولم يقل: قال بل زاد في التأكيد بقوله: { من القالين* } أي المشهورين ببغض هذا العمل الفاحش، العريقين في هذا الوصف، المذكورين بين الناس بمنابذة من يفعله، لا يردني عن إنكاره تهديدكم لي بإخراج ولا غيره، والقلاء: بغض شديد كأنه يقلي الفؤاد.
ولما بادأهم بمثل هذا الذي من شأنه الإفضاء إلى الشر، أقبل على من يفعل ذلك لأجله، وهو القادر على كل شيء العالم بكل شيء، فقال: { رب نجني وأهلي مما } أي من الجزاء الذي يلحقهم لما { يعملون* }.
ولما قبل سبحانه وتعالى دعاءه، أشار إلى ذلك بقوله: { فنجيناه وأهله } مما عذبناهم به بإخراجنا له من بلدهم حين ستخفافهم له، ولم يؤخره عنهم إلى حين خروجه إلا لأجله، وعين سبحانه المراد مبيناً أن أهله كثير بقوله: { أجمعين* } أي أهل بيته والمتبعين له على دينه { إلا عجوزاً } وهي امرأته، كائنة { في } حكم { الغابرين* } أي الماكثين الذي تلحقهم الغبرة بما يكون من الداهية فإننا لن ننجها لقضائنا بذلك في الأزل، لكونها لم تتابعه في الدين، وكان هواها مع قومها.