التفاسير

< >
عرض

أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ
١٧
لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ
١٨
-الرعد

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { أنزل من السماء ماء ... } الآية قال: هذا مثل ضربه الله تعالى احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها، فأما الشك، فما ينفع معه العمل. وأما اليقين، فينفع الله به أهله. وهو قوله { فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } وهو اليقين، كما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه به ويترك خبيثه في النار، كذلك يقبل الله تعالى اليقين ويترك الشك.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { فسالت أودية بقدرها } قال: الصغير، قدر صغيره. والكبير، قدر كبيره.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في الآية قال: هذا مثل ضربه الله تعالى بين الحق والباطل، يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودمنة، ومما توقدون عليه في النار فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع النحاس والحديد، وللنحاس والحديد خبث، فجعل الله تعالى مثل خبثه كمثل زبد الماء، فأما ما ينفع الناس، فالذهب والفضة. وأما ما ينفع الأرض، فما شربت من الماء فأنبتت. فجعل ذلك مثل العمل الصالح الذي يبقى لأهله. والعمل السيء يضمحل من محله، فما يذهب هذا الزبد، فذلك الهدى والحق جاء من عند الله تعالى، فمن عمل بالحق كان له. وما بقي كما يبقى، ما ينفع الناس في الأرض. وكذلك الحديد، لا يستطيع أن يعمل منه سكين ولا سيف حتى يدخل النار، فتأكل خبثه فيخرج جيده فينتفع به، كذلك يضمحل الباطل، وإذا كان يوم القيامة وأقيم الناس وعرضت الأعمال، فيرفع الباطل ويهلك، وينتفع أهل الحق بالحق.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق السدي، عن أبي مالك وعن أبي صالح من طريق مرة، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في قوله { فسالت أودية بقدرها ... } الآية. قال: فمر السيل على رأسه من التراب والغثاء حتى استقر في القرار وعليه الزبد، فضربته الريح فذهب الزبد جفاء إلى جوانبه فيبس فلم ينفع أحداً، وبقي الماء الذي ينتفع به الناس، فشربوا منه وسقوا أنعامهم. فكما ذهب الزبد فلم ينفع، فكذلك الباطل يضمحل يوم القيامة فلا ينفع أهله، وكما نفع الماء فكذلك ينفع الحق أهله. هذا مثل ضربه الله.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء - رضي الله عنه - في قوله { أنزل من السماء ماء } قال: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر { فسالت أودية بقدرها } حتى جرى الوادي وامتلأ بقدر ما يحمل { فاحتمل السيل زبداً رابياً } قال: زبد الماء. { ومما يوقدون عليه في النار } قال: زبد ما توقدون عليه من ذلك حلية، وما سقط فهو مثل زبد الماء، وهو مثل ضرب للحق والباطل. فأما خبث الحديد والذهب وزبد الماء فهو الباطل، وما تصنعوا من الحلية والماء والحديد فمثل الحق.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن عطاء - رضي الله عنه - قال: ضرب الله تعالى مثل الحق والباطل. فضرب مثل الحق، السيل الذي يمكث في الأرض فينتفع الناس به. ومثل الباطل، مثل الزبد الذي لا ينفع الناس. ومثل الحق، مثل الحلي الذي يجعل في النار، فما خلص منه انتفع به أهله. وما خبث منه، فهو مثل الباطل علم أن لا ينفع الزبد، وخبث الحلي أهله، فكذلك الباطل لا ينفع أهله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها } قال: الصغير بصغيره، والكبير بكبره، { فاحتمل السيل زبداً رابياً } قال: عالياً { ومما يوقدون ... } إلى قوله { فيذهب جفاء } والجفاء، ما يتعلق بالشجر { وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } هذه ثلاثة أمثال ضربها الله تعالى في مثل واحد، يقول: كما اضمحل هذا الزبد فصار جفاء لا ينتفع به ولا يرجى بركته، كذلك يضمحل الباطل عن أهله. وكما مكث هذا الماء في الأرض فأمرعت وربت بركته وأخرجت نباتها، كذلك يبقى الحق لأهله. وقوله { ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية } كما يبقى خالص هذا الذهب والفضة حين أدخل النار، كذلك فيذهب خبثه، كذلك يبقى الحق لأهله. وكما اضمحل خبث هذا الذهب والفضة حين أدخل في النار، كذلك يضمحل الباطل عن أهله. وقوله { أو متاع زبد مثله } يقول هذا الحديد وهذا الصفر حين دخل النار وذهبت بخبثه، كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي خالصهما.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله { فسالت أودية بقدرها } قال: الكبير بقدره والصغير بقدره { زبداً رابياً } قال: ربا فوق الماء الزبد { ومما يوقدون عليه في النار } قال: هو الذهب، إذا ادخل النار بقي صفوه وذهب ما كان فيه من كدر. وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل { فأما الزبد فيذهب جفاء } يتعلق بالشجر ولا يكون شيئاً، هذا مثل الباطل { وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } هذا يخرج النبات، وهذا مثل الحق { أو متاع زبد مثله ... } قال: المتاع الصفر والحديد.
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها } قال: بملئها ما أطاقت { فاحتمل السيل زبداً رابياً } قال: انقضى الكلام، ثم استقبل فقال { ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله } قال: المتاع الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه { زبد مثله } قال: خبث ذلك الحديد، والحلية مثل زبد السيل { وأما ما ينفع الناس } من الماء { فيمكث في الأرض } وأما الزبد { فيذهب جفاء } قال: جموداً في الأرض، قال: فكذلك مثل الحق والباطل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن الحسن - رضي الله عنه - في قوله { أنزل من السماء ماء } الآية. قال: ابتغاء حلية الذهب والفضة، أو متاع الصفر والحديد. قال: كما أوقد على الذهب والفضة والصفر والحديد خلص خالصه، كذلك بقي الحق لأهله فانتفعوا به.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عيينة - رضي الله عنه - في قوله { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها } قال: أنزل من السماء قرآناً فاحتمله عقول الرجال.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله { للذين استجابوا لربهم الحسنى } قال: الحياة والرزق.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله { للذين استجابوا لربهم الحسنى } قال: هي الجنة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن فرقد السبخي - رضي الله عنه - قال: قال لي شهر بن حوشب - رضي الله عنه - { سوء الحساب } أن لا يتجاوز له عن شيء.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وأبو الشيخ، عن فرقد السبخي - رضي الله عنه - قال: قال لي إبراهيم النخعي - رضي الله عنه -: يا فرقد، أتدري ما سوء الحساب؟ قلت: لا. قال: هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ، عن الحسن - رضي الله عنه - قال: { سوء الحساب } أن يؤخذ العبد بذنوبه كلها ولا يغفر له منها ذنب.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن أبي الجوزاء - رضي الله عنه - في الآية قال { سوء الحساب } المناقشة في الأعمال.