التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ
١٨
وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ
١٩
وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ
٢٠
وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ
٢١
وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ
٢٢
إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ
٢٣
إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ
٢٤
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ
٢٥
ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
٢٦
-فاطر

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ "‏في حجة الوداع ألا لا يجني جان إلا على نفسه‏.‏ لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده‏" .
وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه عن أبي رمثة قال‏:‏ انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأيته قال لأبي‏:‏ "‏ابنك هذا‏؟‏ قال‏:‏ أي ورب الكعبة قال‏: أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه‏.‏ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏ { ‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏ }‏ "
‏‏. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله ‏ { ‏وإن تدع مثقلة إلى حملها‏ } ‏ قال‏:‏ إن تدع نفس مثقلة من الخطايا ذا قرابة أو غير ذي قرابة ‏ { ‏لا يحمل‏ } ‏ عنها من خطاياها شيء‏.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ‏وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء‏ }‏ يكون عليه وزر لا يجد أحداً يحمل عنه من وزره شيئا‏ً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ‏{ ‏وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء‏ } ‏ كنحو ‏ { ‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏ } ‏‏.‏
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال‏:‏ إن الجار يتعلق بجاره يوم القيامة فيقول‏:‏ يا رب سل هذا لم كان يغلق بابه دوني، وإن الكافر ليتعلق بالمؤمن، يوم القيامة فيقول له‏:‏ يا مؤمن إن لي عندك يداً قد عرفت كيف كنت في الدنيا، وقد احتجت إليك اليوم فلا يزال المؤمن يشفع له إلى ربه حتى يرده إلى منزلة دون منزلة وهو في النار‏.‏ وأن الوالد يتعلق بولده يوم القيامة فيقول‏:‏ يا بني أي والد كنت لك‏؟‏ فيثني خيراً فيقول‏:‏ يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك أنجو بها مما ترى، فيقول له ولده‏:‏ يا أبت ما أيسر ما طلبت‏؟‏ ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئاً، أتخوّف مثل الذي تخوّفت، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا‏ً.‏ ثم يتعلق بزوجته فيقول‏:‏ يا فلانة أي زوج كنت لك‏؟‏ فتثني خيراً فيقول لها‏:‏ فإني أطلب إليك حسنة واحدة تهبيها لي لعلي أنجو مما ترين‏.‏ قالت‏:‏ ما أيسر ما طلبت‏!‏ ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئاً، أتخوّف مثل الذي تخوّفت‏.‏ يقول الله { ‏وإن تدع مثقلة إلى حملها‏.‏‏.‏‏..‏‏ }‏.‏ ويقول الله ‏
{ ‏يوم لا يجزي والد عن ولده } }‏ ‏[‏لقمان: 133‏] و ‏ { ‏يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه‏.‏‏.‏‏.‏‏ } ‏[‏عبس: 34‏]‏.‏
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ‏{ ‏وإن تدع مثقلة إلى حملها‏ } ‏ أي إلى ذنوبها ‏{ ‏لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى‏ }‏ قال‏:‏ قرابة قريبة لا يحمل من ذنوبه شيئاً، ويحمل عليها غيرها من ذنوبها شيئاً‏ { ‏إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب‏ } ‏ أي يخشون النار، والحساب‏.‏ وفي قوله { ‏ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه‏ } ‏ أي من عمل عملاً صالحاً فإنما يعمل لنفسه‏.‏ وفي قوله ‏{ ‏وما يستوي‏.‏‏.‏‏.‏‏ }‏‏.‏ قال‏:‏ خلق فضل بعضه على بعض، فأما المؤمن فعبد حي الأثر، حي البصر، حي النية، حي العمل‏.‏ والكافر عبد ميت الأثر، ميت البصر، ميت القلب، ميت العمل‏.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ‏{ ‏وما يستوي الأعمى والبصير‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏ } ‏ قال‏:‏ هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن يقول‏:‏ كما لا يستوي هذا وهذا، كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن‏.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ‏{ ‏وما يستوي الأعمى والبصير‏.‏‏.‏‏.‏‏ } ‏ قال‏:‏ الكافر والمؤمن ‏{ ‏ولا الظلمات‏ }‏ قال‏:‏ الكفر ‏ { ‏ولا النور‏ } ‏ قال‏:‏ الايمان ‏ { ‏ولا الظل‏ } ‏ قال‏:‏ الجنة ‏{ ‏ولا الحرور‏ }‏ قال‏:‏ النار ‏ { ‏وما يستوي الأحياء ولا الأموات‏ } ‏ قال‏:‏ المؤمن والكافر ‏ { ‏إن الله يسمع من يشاء‏ }‏ قال‏:‏ يهدي من يشاء‏.‏
وأخرج أبو سهل السري بن سهل الجنديسابوري الخامس من حديثه من طريق عبد القدوس عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏
{ ‏فإنك لا تسمع الموتى‏ } }‏ [‏الروم: 52‏]‏ ‏ { ‏وما أنت بمسمع من في القبور‏ } ‏ قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقف على القتلى يوم بدر ويقول‏:‏ ‏"‏ "هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً يا فلان ابن فلان‏.‏ ألم تكفر بربك‏؟‏ ألم تكذب نبيك‏؟‏ ألم تقطع رحمك‏؟ فقالوا‏:‏ يا رسول الله أيسمعون ما نقول‏؟‏ قال‏:‏ ما أنتم بأسمع منهم لما أقول‏.‏ فأنزل الله ‏{ ‏فإنك لا تسمع الموتى‏ }‏ ‏ { ‏وما أنت بمسمع من في القبور‏ } ‏ ومثل ضربه الله للكفار أنهم لا يسمعون لقوله‏‏‏" .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ‏ { ‏وما أنت بمسمع من في القبور‏ } ‏ فكذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع‏.‏ وفي قوله ‏ { ‏وإن من أمةٍ إلا خلا فيها نذير‏ } ‏ يقول كل أمة قد كان لها رسول جاءها من الله‏.‏ وفي قوله ‏ { ‏وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم‏ } ‏ قال‏:‏ يعزي نبيه { ‏جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر والكتاب المنير، ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير‏ }‏ قال‏:‏ شديد والله لقد عجل لهم عقوبة الدنيا ثم صيرهم إلى النار‏.