التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
١٢٢
-التوبة

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

أخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال‏:‏ نسخ هؤلاء الآيات { { انفروا خفافاً وثقالا‏ً } }‏ ‏[‏التوبة:41‏]‏ و { { إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً } ‏[‏التوبة: 39‏]‏ قوله ‏ { ‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏ }‏ يقول‏:‏ لتنفر طائفة ولتمكث طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالماكثون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون اخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو، لعلهم يحذرون ما نزل من بعدهم من قضاء الله في كتابه وحدوده‏.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في المدخل عن ابن عباس في قوله ‏{ ‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏ }‏ يعني ما كان المؤمنون لينفروا جميعاً ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده ‏ { ‏فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة‏ } ‏ يعني عصبة يعني السرايا فلا يسيرون إلا باذنه، فإذا رجعت السرايا وقد نزل قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا‏:‏ إن الله قد أنزل على نبيكم بعدنا قرآناً وقد تعلمناه، فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم صلى الله عليه وسلم بعدهم، ويبعث سرايا أخر، فذلك قوله ‏{ ‏ليتفقهوا في الدين‏ }‏ يقول يتعلمون ما أنزل الله على نبيه ويعلمونه السرايا إذا رجعت إليهم ‏{ ‏لعلهم يحذرون‏ }‏‏.
‏وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏ { ‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏ } ‏ قال‏:‏ ليست هذه الآية في الجهاد، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم، فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ويعتلوا بالإِسلام وهم كاذبون، فضيقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم، فأنزل الله تعالى يخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا بمؤمنين، فردهم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله ‏ { ‏ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون‏ } ‏‏.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال‏:‏ كان المؤمنون يحرضهم على الجهاد إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية خرجوا فيها وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في رقة من الناس، فأنزل الله تعالى ‏ { ‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏ } ‏ أمروا إذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية أن تخرج طائفة وتقيم طائفة، فيحفظ المقيمون على الذين خرجوا ما أنزل الله من القرآن وما يسن من السنن، فإذا رجع اخوانهم أخبروهم بذلك وعلموهم، وإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتخلف عنه أحد إلا باذن أو عذر‏.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة قال‏:‏ لما نزلت
‏{ { ‏إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليما‏ً } } ‏[‏التوبة: 39‏]‏ { { ما كان لأهل المدينة } ‏ }‏ ‏[‏التوبة: 120‏]‏ الآية‏.‏ قال المنافقون‏:‏ هلك أهل البدو الذين تخلفوا عن محمد صلى الله عليه وسلم ولم يغزوا معه، وقد كان ناس خرجوا إلى البدو وإلى قومهم يفقهونهم، فأنزل الله تعالى ‏ { ‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏ } ‏ الآية‏.‏ ونزلت ‏{ { ‏والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة‏ } }‏ ‏[‏الشورى: 16‏]‏ الآية‏.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ‏ { ‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏ } ‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا في البوادي، فاصابوا من الناس معروفاً ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى فقال لهم الناس‏:‏ ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتونا‏.‏ فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجاً واقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى ‏ { ‏فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة‏ } ‏ خرج بعض وقعد بعض يبتغون الخير ‏ { ‏ليتفقهوا في الدين‏ } ‏ وليسمعوا ما في الناس وما أنزل بعدهم ‏ { ‏ولينذروا قومهم‏ } ‏ قال‏:‏ الناس كلهم إذا رجعوا إليهم ‏{ ‏لعلهم يحذرون‏ } ‏‏.