التفاسير

< >
عرض

وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ
٤١
وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ
٤٢
وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ
٤٣
-يونس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَإِن كَذَّبُوكَ } أي إن استمروا على تكذيبك وأصروا عليه حسبما أُخبر عنهم بعد إلزامِ الحجةِ بالتحدي { فَقُل لّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } أي تبرأ منهم فقد أعذرتَ كقوله تعالى: { { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّى بَرِىء } [الشعراء: 216] والمعنى لي جزاءُ عملي ولكم جزاءُ عملِكم حقاً كان أو باطلاً، وتوحيدُ العمل المضافِ إليهم باعتبار الاتحادِ النوعيِّ ولمراعاة كمالِ المقابلة { أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِىء مّمَّا تَعْمَلُونَ } تأكيدٌ لما أفادته لامُ الاختصاص من عدم تعدّي جزاءِ العمل إلى غير عاملِه أي لا تؤاخَذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم، ولما فيه من إيهام المتاركةِ وعدم التعرضِ لهم قيل: إنه منسوخٌ بآية السيف.

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } بـيانٌ لكونهم مطبوعاً على قلوبهم بحيث لا سبـيل إلى إيمانهم، وإنما جمع الضميرُ الراجعُ إلى كلمة مَنْ رعايةً لجانب المعنى كما أفرد فيما سيأتي محافظةً على ظاهر اللفظِ، ولعل ذلك للإيماء إلى كثرة المستمعين بناءً على عدم توقفِ الاستماع على ما يتوقف عليه النظرُ من المقابلة وانتفاءِ الحجاب والظُلمة، أي ومنهم ناسٌ يستمعون إليك عند قراءتِك القرآنَ وتعليمِك الشرائعَ { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } همزةُ الاستفهامِ إنكاريةٌ والفاءُ عاطفةٌ وليس الجمعُ بـينهما لترتيب إنكارِ الإسماعِ كما هو رأيُ سيبوبهِ والجمهور على أن يجعل تقديمُ الهمزة على الفاء لاقتضائها الصدارةَ كما تقرر في موضعه بل لإنكار ترتُّبِه عليه حسبما هو المعتادُ لكن لا بطريق العطفِ على الفعل المذكورِ لأدائه إلى اختلال المعنى، لأنه إما صلةٌ أو صفةٌ وأياً ما كان فالعطفُ عليه يستدعي دخولَ المعطوفِ في حيزه وتوجّهَ الإنكارِ إليه من تلك الحيثية ولا ريب في فسادة، بل بطريق العطفِ على مقدر مفهومٍ من فحوى النظمِ، كأنه قيل: أيستمعون إليك فأنت تسمعهم لا إنكاراً لاستماعهم فإنه أمر محقق بل إنكاراً لوقوع الاستماعِ عقيبَ ذلك وترتبِه عليه حسب العادةِ الكليةِ بل نفياً لإمكانه أيضاً كما ينبىء عنه وضع الصمِّ موضعَ ضميرِهم ووصفِهم بعدم العقلِ بقوله تعالى: { وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ } أي ولو انضم إلى صممهم عدمُ عقولِهم لأن الأصمَّ العاقلَ ربما تفرس إذا وصل إلى صِماخه صوتٌ وأما إذا اجتمع فقدانُ السمع فقد تم الأمر { وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ } ويعاين دلائلَ نبوّتك الواضحة { أَفَأَنتَ } أي أعقيبَ ذلك أنت تهديهم وإنما قيل: { تَهْدِى ٱلْعُمْىَ } تربـيةً لإنكار هدايتِهم وإبرازاً لوقوعها في معرض الاستحالةِ وقد أكد ذلك حيث قيل: { وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } أي ولو انضم إلى عدم البصَر عدمُ البصيرة فإن المقصودَ من الإبصارِ الاعتبارُ والاستبصارُ، والعمدةُ في ذلك هي البصيرةُ ولذلك يحدس الأعمى المستبصرُ ويتفطن لما لا يدركه البصيرُ الأحمقُ فحيث اجتمع فيهم الحمَقُ والعمى فقد انسد عليهم بابُ الهدى، وجوابُ لو في الجملتين محذوف لدلالة قوله تعالى: { تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } و{ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ } عليه وكلٌّ منهما معطوفةٌ على جملة مقدرةٍ مقابلةٍ لها في الفحوى كلتاهما في موضع الحال من مفعول الفعلِ السابق، أي أفأنت تسمع الصم لو كانوا يعقلون ولو كانوا لا يعقلون، أفأنت تهدي العميَ لو كانوا يبصرون ولو كانوا لا يبصرون، أي على كل حال مفروضٍ، وقد حذفت الأولى في الباب حذفاً مطرداً لدِلالة الثانية عليها دِلالةً واضحةً فإن الشيءَ إذا تحقق عند تحققِ المانعِ أو المانع القويِّ فلأَنْ يتحققَ عند عدمِه أو عند تحققِ المانعِ الضعيفِ أولى، وعلى هذه النُكتةِ يدور ما في لو وأن الوصلتين من التأكيد وقد مر الكلام في قوله تعالى: { وَلَوْ كَرِهَ } ونظائرِه مراراً.