التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىٰ وَهَـٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ بِآيَـٰتِنَا فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ
٧٥
فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ
٧٦
-يونس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ثُمَّ بَعَثْنَا } عطفٌ على قوله تعالى: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ } عطفَ قصةٍ على قصة { مّن بَعْدِهِمْ } أي من بعد أولئك الرسلِ عليهم السلام { مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } خُصّت بعثتُهما عليهما السلام بالذكر ولم يُكتفَ باندراج خبرِهما فيما أشير إليه إجمالاً من أخبار الرسل عليهم السلام مع أقوامهم وأُوثر في ذلك ضربُ تفصيلٍ إيذاناً بخطر شأنِ القصةِ وعِظَمِ وقعها كما في نبأ نوح عليه السلام { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } أي أشرافِ قومِه، وتخصيصُهم بالذكر لأصالتهم في إقامة المصالحِ والمُهمّات ومراجعةِ الكل إليهم في النوازل والملمات { بِـئَايَـٰتِنَا } أي ملتبسين بها وهي الآياتُ المفصّلات في الأعراف { فَٱسْتَكْبَرُواْ } الاستكبارُ ادعاءُ الكِبْر من غير استحقاقٍ والفاءُ فصيحة أي فأتيَاهم فبلغاهم الرسالةَ فاستكبروا عن اتباعهما وذلك قولُ اللعين لموسى عليه السلام: { { أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } [الشعراء: 18] الخ، { وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله أي كانوا معتادين لارتكاب الذنوبِ العظامِ فإن الإجرامَ مؤذنٌ بعظم الذنبِ ومنه الجِرمُ أي الجثة فلذلك اجترأوا على ما اجترأوا عليه من الاستهانة برسالةِ الله تعالى، وحملُ الاستكبارِ على الامتناع عن قَبول الآيات لا يساعده قولُه عز وعلا: { فَلَمَّا جَاءهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } فإنه صريحٌ في أن المرادَ باستكبارهم ما وقع منهم قبل مجيءِ الحقِّ الذي سمَّوه سحراً أعني العصا واليدَ البـيضاءَ كما ينبىء عنه سياقُ النظمِ الكريم وذلك أولُ ما أظهره عليه السلام من الآياتِ العظام والفاء فيه أيضاً فصيحةٌ معربةٌ عما صرّح به في مواضعَ أُخَرَ كأنه قيل: قال موسى: { { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رَّبّكُمْ } [الأعراف: 105] إلى قوله تعالى: { { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَاء لِلنَّـٰظِرِينَ } [الأعراف: 107] فلما جاءهم الحقُّ من عندنا وعرَفوه قالوا من فَرْط عتوِّهم وعِنادِهم: إن هذا لسحرٌ مبـين، أي ظاهرٌ كونُه سحراً، أو فائقٌ في بابه واضحٌ فيما بـين أضرابِه، وقرىء لساحر.