التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
١١٣
وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ
١١٤
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلاَ تَرْكَنُواْ } أي لا تميلوا أدنى ميلٍ { إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي إلى الذين وُجد منهم الظلمُ في الجملة، ومدارُ النهي هو الظلمُ، والجمعُ باعتبار جمعيةِ المخاطَبـين وما قيل من أن ذلك للمبالغة في النهي من حيث إن كونهم جماعةً مظِنةُ الرخصةِ في مداهنتهم إنما يتم لو كان المرادُ النهيَ عن الركون إليهم من حيث أنهم جماعةٌ وليس كذلك { فَتَمَسَّكُمُ } بسبب ذلك { ٱلنَّارُ } وإذا كان حالُ الميل في الجملة إلى مَنْ وُجد منه ظلمٌ ما في الإفضاء إلى مِساس النارِ هكذا فما ظنُّك بميل من يميل إلى الراسخين في الظلم والعُدوان ميلاً عظيماً، ويتهالك على مصاحبتهم ومنادمتِهم ويُلقي شراشِرَه على مؤانستهم ومعاشرتهم، ويبتهج بالتزيّـي بزِيّهم ويمُدّ عينيه إلى زهرتهم الفانية ويغبِطُهم بما أوتوا من القطوف الدانية وهو في الحقيقة من الحبة طفيف ومن جناح البعوض خفيف بمعزل عن أن تميل إليه القلوب ضعُف الطالبُ والمطلوب، والآيةُ أبلغُ ما يتصور في النهْي عن الظلم والتهديدِ عليه. وخطابُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه من المؤمنين للتثبـيت على الاستقامة التي هي العدلُ فإن الميلَ إلى أحد طرفي الإفراطِ والتفريطِ ظلمٌ على نفسه أو على غيره. وقرىء تركنوا على لغة تميم وتُركَنوا على صيغة البناء للمفعول من أركنه { وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء } أي من أنصار يُنقِذونكم من النار، والجملةُ نصبٌ على الحاليه من قوله: فتمسكم النار، ونفيُ الأولياءِ ليس بطريق نفي أن يكون لكل واحدٍ منهم أولياءُ حتى يصدُقَ أن يكون له وليٌّ بل لمكان (لكم) بطريق انقسامِ الآحادِ على الآحاد لكن لا على معنى نفي استقلالِ كلَ منهم بنصير، بل على معنى نفيِ أن يكون لواحد منهم نصيرٌ بقرينة المقام { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } من جهة الله سبحانه إذ قد سبق في حكمه أن يعذبَكم بركونكم إليهم ولا يُبقيَ عليكم، وثم لتراخي رتبةِ كونِهم غيرَ منصورين من جهة الله بعدما أوعدهم بالعذاب وأوجبه عليهم، ويجوز أن يكون منزلاً منزلة الفاءِ بمعنى الاستبعادِ فإنه لما بـيّن أن الله تعالى معذبُهم وأن غيرَه لا ينقذهم أنتج أنهم لا يُنصرون أصلاً.

{ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ } أي غدوةً وعشيةً، وانتصابُه على الظرفيه لكونه مضافاً إلى الوقت { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } أي ساعاتٍ منه قريبةً من النهار، فإنه مِنْ أزلفه إذا قرّبه جمع زُلفة، عطفٌ على طرفي النهار والمرادُ بصلاتهما صلاةُ الغداة والعصرِ، وقيل: الظُهر موضعَ العصر لأن ما بعد الزوال عشيٌّ، وبصلاة الزُلَف المغربُ والعشاء، وقرىء زُلُفاً بضمتين وضمة وسكون كبُسْر وبُسُر وزُلفى بمعنى زُلفة كقربى بمعنى قربة { إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ } التي من جملتها بل عُمدتُها ما أمِرْت به من الصلوات { يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ } التي قلما يخلو منها البشر، أي يكفرنها وفي الحديث "إن الصلاة إلى الصلاة كفارةٌ لما بـينهما ما اجتُنبت الكبائر" وقيل: "نزلت في أبـي اليَسَر الأنصاريِّ إذ قبّل امرأةً ثم ندِم فأتىٰ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما فعل فقال عليه الصلاة والسلام: أنتظرُ أمرَ ربـي فلما صلى صلاةَ العصر نزلت قال عليه السلام: نعم اذهب فإنها كفارةٌ لما عمِلْت" أو يمنعْن من اقترافها كقوله تعالى: { ٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } { ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى قوله تعالى: { فَٱسْتَقِمْ } فما بعده وقيل: إلى القرآن { ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ } أي عظةٌ للمتعظين.