التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ
١١٨
إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ
١١٩
وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
١٢٠
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } مجتمعةً على الحق ودين الإسلام بحيث لا يكاد يختلف فيه أحدٌ ولكن لم يشأ ذلك فلم يكونوا متفقين على الحق { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } في الحق أي مخالفين له كقوله تعالى: { { وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [البقرة: 213] { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } إلا قوماً قد هداهم الله تعالى بفضله إلى الحق فاتفقوا عليه ولم يختلفوا فيه أي لم يخالفوه، وحملُه على مطلق الاختلاف الشاملِ لِما يصدر من المُحق والمُبطل يأباه الاستثناءُ المذكور { وَلِذٰلِكَ } أي ولما ذكر من الاختلاف { خَلْقَهُمْ } أي الذين بقُوا بعد الثنيا وهو المختلِفون، فاللامُ للعاقبة أو للترحم فالضميرُ لمن واللام في معناها أو لهما معاً فالضميرُ للناس كافةً واللام بمعنى مجازيَ عامّ لكلا المعنيـين { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ } أي وعيدُه أو قولُه للملائكة { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } أي من عُصاتهما أجمعين أو منهما أجمعين لا من أحدهما، { وَكُلاًّ } أي وكلَّ نبأ فالتنوينُ عوضٌ عن المضاف إليه { نَقُصُّ عَلَيْكَ } نجبرك به وقوله تعالى: { مِنْ أَنْبَاء ٱلرُّسُلِ } بـيانٌ لكُلاًّ وقوله تعالى: { مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } بدلٌ منه والأظهر أن يكون المضافُ إليه المحذوفُ في كلاًّ المفعولَ المطلق لنقصُّ أي كلَّ أسلوبٍ من أساليبه نقصُّ عليك من أنباء الرسل، وقوله تعالى: { مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } مفعولُ نقصّ وفائدتُه التنبـيهُ على أن المقصودَ بالاقتصاص زيادةُ يقينه عليه السلام وطُمأنينةُ قلبه وثباتُ نفسه على أداء الرسالة واحتمالِ أذية الكفارِ بالوقوف على تفاصيل أحوالِ الأممِ السالفة في تماديهم في الضلال وما لقيَ الرسلُ من جهتهم من مكابدة المشاقّ { وَجَاءكَ فِى هَـٰذِهِ } السورة أو الأنباءِ المقصوصة عليك { ٱلْحَقّ } الذي لا محيد عنه { وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي الجامعُ بـين كونه حقاً في نفسه وكونهِ موعظةً وذكرى للمؤمنين ولكون الوصفِ الأولِ حالاً له في نفسه حُلّي باللام دون ما هو وصفٌ له بالقياس إلى غيره، وتقديمُ الظرفِ أعني (في هذه) على الفاعل لأن المقصودَ بـيانُ منافعِ السورةِ أو الأنباءِ المقصوصةِ فيها واشتمالِها على ما ذكر من المنافع المفصلةِ لا بـيانُ كونِ ذلك فيها لا في غيرها ولأن عند تأخيرِ ما حقُّه التقديمُ تبقى النفسُ مترقبةً إليه فيتمكن فيها عند الورودِ فضلُ تمكّنٍ ولأن في المؤخَّر نوعَ طولٍ يُخِلُّ تقديمُه بتجاوب أطرافِ النظمِ الكريم.