التفاسير

< >
عرض

وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٦
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } غذاؤُها اللائقُ بها من حيث الخلقُ ومن حيث الإيصالُ إليها بطريق طبـيعيَ أو إراديَ لتكفّله إياه تفضلاً ورحمةً، وإنما جيء به على طريق الوجوبِ اعتباراً لسبق الوعدِ وتحقيقاً لوصوله إليها البتة، وحملاً للمكلّفين على الثقة به تعالى والإعراضِ عن إتعاب النفس في طلبه { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا } محلَّ قرارِها في الأصلاب { وَمُسْتَوْدَعَهَا } موضعَها في الأرحام وما يجري مجراها من البـيض ونحوِها، وإنما خُصَّ كلٌّ من الاسمين بما خُصَّ به من المحلَّين لأن النطفةَ بالنسبة إلى الأصلاب في حيزها الطبـيعيِّ ومنشئِها الخلقيِّ، وأما بالنسبة إلى الأرحام وما يجري مجراها فهي مُودعةٌ فيها إلى وقت معين، أو مسكنَها من الأرض حين وُجدت بالفعل ومُودَعها من الموادّ والمقارِّ حين كانت بعدُ بالقوة، ولعل تقديمَ محلِّها باعتبار حالتِها الأخيرةِ لرعاية المناسبةِ بـينها وبـين عنوانِ كونِها دابةً في الأرض والمعنى ما من دابة في الأرض إلا يرزُقها الله تعالى حيث كانت من أماكنها يسوقُه إليها ويعلم موادَّها المتخالفةَ المتدرِّجة في مراتب الاستعداداتِ المتفاوتةِ المتطورةِ في الأطوارِ المتباينة ومقارَّها المتنوعةَ ويُفيض عليها في كل مرتبةٍ ما يليق بها من مبادي وجودِها وكمالاتِها المتفرِّعةِ عليه، وقد فُسر المستودَعُ بأماكنها في الممات، ولا يلائمه مقامُ التكفّل بأرزاقها { كُلٌّ } من الدواب ورزقِها ومستقرِّها ومستودعِها { فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } أي مُثْبتٍ في اللوح المحفوظِ البـيِّن لمن ينظر فيه من الملائكة عليهم السلام أو المُظهِرِ لما أُثبت فيه للناظرين، ولمّا انتهى الأمرُ إلى أنه سبحانه محيطٌ بجميع أحوالِ ما في الأرض من المخلوقات التي لا تكاد تحصى من مبدأ فطرتِها إلى منتهاها اقتضى الحالُ التعرّضَ لمبدأ خلقِ السمواتِ والأرض والحكمةِ الداعية إلى ذلك فقيل: