التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ
٦٦
وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٦٧
كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ
٦٨
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا } أي عذابُنا أو أمرُنا بنزوله وفيه ما لا يخفى من التهويل { نَجَّيْنَا صَـٰلِحاً وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ } متعلقٌ بنجينا أو بآمنوا { بِرَحْمَةٍ } بسبب رحمةٍ عظيمة { مِنَّا } وهي بالنسبة إلى صالح النبوةُ وإلى المؤمنين الإيمانُ كما مر أو ملتبسين برحمة ورأفةٍ منا { وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ } أي ونجيناهم من خزي يومِئذٍ، وهو هلاكُهم بالصيحة كقوله تعالى: { { وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [هود: 58] على معنى أنه كانت تلك التنجيةُ تنجيةً من خزي يومئذ، أي من ذِلته ومهانتِه أو ذلِّهم وفضيحتِهم يومَ القيامة كما فسر به العذابُ الغليظُ فيما سبق فيكون المعنى ونجيناهم من عذاب يومِ القيامةِ بعد تنجيتِنا إياهم من عذاب الدنيا، وعن نافع بالفتح على اكتساب المضافِ البناءَ من المضاف إليه هنا وفي المعارج في قوله تعالى: { مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ } [المعارج: 11] وقرىء بالتنوين ونصبِ يومئذ { إِنَّ رَبَّكَ } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم { هُوَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْعَزِيزُ } القادر على كل شيء والغالبُ عليه لا غيرُه ولكون الإخبارِ بتنجية الأولياءِ ـ لا سيما عند الإنباءِ بحلول العذابِ ـ أهمَّ ذكَرَها أولاً ثم أخبر بهلاك الأعداءِ فقال: { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } عدل عن المضمر إلى المظهر تسجيلاً عليهم بالظلم وإشعاراً بعلّيته لنزول العذابِ بهم { ٱلصَّيْحَةَ } أي صيحةُ جبريلَ عليه الصلاة والسلام، وقيل: أتتهم من السماء صحيةٌ فيها صوتُ كلِّ صاعقةٍ وصوتُ كلِّ شيء في الأرض فتقطعت قلوبُهم في صدورهم وفي سورة الأعراف: { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } ولعلها وقعت عَقيبَ الصيحةِ المستتبِعةِ لتموُّج الهواء { فَأَصْبَحُواْ } أي صاروا { فِى دِيَارِهِمْ } أي بلادهم أو مساكنِهم { جَـٰثِمِينَ } هامدين موتىٰ لا يتحركون، والمرادُ كونُهم كذلك عند ابتداءِ نزولِ العذابِ بهم من غير اضطرابٍ وحركةٍ كما يكون ذلك عند الموتِ المعتاد ولا يخفى ما فيه من الدلالة على شدة الأخذِ وسرعتِه، اللهم إنا نعوذ بك من حلول غضبِك.

قيل: لما رأوا العلاماتِ التي بـيّنها صالحٌ من اصفرار وجوهِهم واحمرارِها واسودادِها عمَدوا إلى قتله عليه الصلاة والسلام فنجاه الله تعالى إلى أرض فلسطين ولما كان ضحوةُ اليوم الرابع وهو يوم السبت تحنّطوا وتكفّنوا بالأنطاع فأتتهم الصيحةُ فتقطعت قلوبُهم فهلكوا { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ } أي كأنهم لم يقيموا { فِيهَا } في بلادهم أو في مساكنهم، وهو في موقع الحالِ أي أصبحوا جاثمين مماثلين لمن لم يوجَدْ ولم يُقِمْ في مقام قطُّ { أَلا إِنَّ ثَمُودَ } وُضع موضعَ الضمير لزيادة البـيانِ، ونوّنه أبو بكرٍ هنا وفي النجم وقرأ حفصٌ هنا وفي الفرقان والعنكبوت بغير تنوين { كَفرُواْ رَبَّهُمْ } صرح بكفرهم مع كونه معلوماً مما سبق من أحوالهم تقبـيحاً لحالهم وتعليلاً لاستحقاقهم بالدعاء عليهم بالبعد والهلاكِ في قوله تعالى: { أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ } وقرأ الكسائي بالتنوين.