التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
٩٠
قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
٩١
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ } مر تفسيرُ مثله في أول السورة { إِنَّ رَبّى رَحِيمٌ } عظيمُ الرحمة للتائبـين { وَدُودٌ } مبالِغٌ في فعل ما يفعل البليغُ المودةَ بمن يودّه من اللطف والإحسانِ، وهذا تعليلٌ للأمر بالاستغفار والتوبةِ وحثٌّ عليهما { قَالُواْ يَا شُعَيْبٌ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ } الفِقهُ غرضِ المتكلّم من كلامه أي ما نفهم مرادَك، وإنما قالوه بعد ما سمعوا منه دلائلَ الحقِّ المبـينِ على أحسن وجهٍ وأبلغِه وضاقت عليهم الحيلُ وعيّتْ بهم العلل، فلم يجدوا إلى محاورته سبـيلاً سوى الصدودِ عن منهاج الحقِّ والسلوكِ إلى سبـيل الشقاءِ كما هو ديدَنُ المُفحَمِ المحجوجِ يقابل البـيناتِ بالسبّ والإبراق والإرعاد، فجعلوا كلامَه المشتملَ على فنون الحِكَم والمواعظِ وأنواعِ العلومِ والمعارفِ من قبـيل ما لا يُفقه معناه ولا يُدرك فحواه وأدمجوا في ضمن ذلك أن في تضاعيفه ما يستوجب أقصى ما يكون من المؤاخذة والعقاب، ولعل ذلك ما فيه من التحذير من عواقب الأممِ السالفة ولذلك قالوا: { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا } فيما بـيننا { ضَعِيفاً } لا قوة لك ولا قدرةَ على شيء من الضر والنفعِ والإيقاعِ والدفع { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ } لولا مراعاةُ جانبِهم لا لولاهم يمانعوننا ويدافعوننا { لَرَجَمْنَـٰكَ } فإن ممانعةَ الرهطِ ـ وهو اسمٌ للثلاثة إلى السبعة أو إلى العشرة ـ لهم وهم ألوفٌ مؤلفةٌ مما لا يكاد يُتوّهم وقد أيد ذلك بقوله عز وجل: { وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } مُكْرمٌ محْترمٌ حتى نمتنع من رجمك، وإنما نكفُ عنه للمحافظة على حرمة رهطِك الذين ثبتوا على ديننا ولم يختاروك علينا ولم يتبعوك دوننا، وإيلاءُ الضميرِ حرفَ النفي وإن لم يكن الخبرُ فعلياً غيرَ خالٍ عن الدِلالة على رجوع النفي إلى الفاعل دون الفعلِ لا سيما قرينة قولِه: ولولا رهطُك كأنه قيل: وما أنت علينا بعزيز بل رهطُك هم الأعزةُ علينا وحيث كان غرضُهم من عظيمتهم هذه عائداً إلى نفي ما فيه عليه السلام من القوة والعزةِ الربّانيّتين حسبما يوجبه كونُه على بـينة من ربه مؤيَّداً من عنده ويقتضيه قضيةُ طلبِ التوفيقِ منه والتوكلِ عليه والإنابةِ إليه وإلى إسقاط ذلك كلِّه عن درجة الاعتدادِ به والاعتبار.