التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
٩٢
وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ
٩٣
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالَ } عليه السلام في جوابهم { يٰقَوْمِ أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مّنَ ٱللَّهِ } فإن الاستهانةَ بمن لا يَتعزّز إلا به عز وجل استهانةٌ بجنابه العزيز وإنما أنكر عليهم أعزِّيّةَ رهطِه منه تعالى مع أن ما أثبتوه هو مطلقُ عزةِ رهطِه لا أعزّيتُهم منه عز وجل مع الاشتراك في أصل العزةِ لتثنية التقريعِ وتكريرِ التوبـيخِ حيث أنكر عليهم أولاً ترجيح جنب الرهطِ على جنبة الله تعالى حظاً من العزة أصلاً { وَٱتَّخَذْتُمُوهُ } بسبب عدم اعتدادِكم بمن لا يرِدُ ولا يصدُر إلا بأمره { وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً } أي شيئاً منبوذاً وراء الظهر منسياً لا يبالىٰ به، منسوبٌ إلى الظهر، والكسر لتغيـير النسب كالإِمسيّ في النسبة إلى الأمس { إِنَّ رَبّى بِمَا تَعْمَلُونَ } من الأعمال السيئة التي من جملتها عدمُ مراعاتِكم لجانبه { مُحِيطٌ } لا يخفى عليه منها خافيةٌ وإن جعلتموه منسياً فيجازيكم عليها. ويحتمل أن يكون الإنكارُ للرد والتكذيب فإنهم لما ادَّعَوا أنهم لا يكفّون عن رجمه عليه السلام لقوته وعزّتِه بل لمراعاة جانب رهطِه ردّ عليهم ذلك بأنكم ما قدَّرتم الله حقَّ قدرِه العزيزِ ولم تراعوا جنابَه القويَّ فكيف تراعون جانبَ رهطي الأذلة.
{ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا } لما رأى عليه السلام إصرارَهم على الكفر وأنهم لا يرعوون عما هم عليه من المعاصي حتى اجترأوا على العظيمة التي هي الاستهانةُ به والعزيمةُ على رجمه لولا حُرمةُ رهطِه، قال لهم على طريقة التهديد: اعملوا { عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } أي على غاية تمكّنِكم واستطاعتِكم يقال: مكُن مكانةً إذا تمكّن أبلغَ التمكّن وإنما قاله عليه السلام رداً لما ادَّعَوا أنهم أقوياءُ قادرون على رجمه وأنه ضعيفٌ فيما بـينهم لا عزةَ له، أو على ناحيتكم وجِهَتكم التي أنتم عليها من قولهم: مكانٌ ومكانة كمقام ومقامة، والمعنى اثبُتوا على ما أنتم عليه من الكفر والمشاقّةِ لي وسائرِ ما أنتم عليه مما لا خيرَ فيه وابذُلوا جهدكم في مضارّتي وإيقافي ما في نيتكم وإخراج ما في أمنيتكم من القوة إلى الفعل { إِنّى عَـٰمِلٌ } على مكانتي حسبما يؤيدني الله ويوفقني بأنواع التأيـيدِ والتوفيق { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } لما هدّدهم عليه السلام بقوله: اعمَلوا على مكانتكم إني عاملٌ كان مظِنّةَ أن يسألَ منهم سائلٌ فيقولَ: فماذا يكون بعد ذلك؟ فقيل: سوف تعلمون { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } وصَف العذابَ بالإخزاء تعريضاً بما أوعدوه عليه السلام به من الرجم فإنه مع كونه عذاباً فيه خِزيٌ ظاهرٌ حيث لا يكون إلا بجناية عظيمةٍ توجبه { وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ } عطفٌ على مَنْ يأتيه لا على أنه قسيمُه بل حيث أوعدوه بالرجم وكذبوه قيل: سوف تعلمون مَن المعذَّبُ ومن الكاذب، وفيه تعريضٌ بكذبهم في ادعائهم القوةَ والقُدرةَ على رجمه عليه السلام وفي نسبته إلى الضعف والهوانِ وفي ادعائهم الإبقاءَ عليه جانبِ الرهطِ، والاختلافُ بـين المعطوفَين بالفعلية والاسميةِ لأن كذبَ الكاذبِ بمرتقَبٍ كإتيان العذاب بل إنما المرتقَبُ ظهورُ الكذبِ السابق المستمرّ. و(من) إما استفهاميةٌ معلِّقةٌ للعلم عن العمل كأنه قيل: سوف تعلمون أيُّنا يأتيه عذابٌ يُخزيه وأيُّنا كاذبٌ، وإما موصولةٌ أي سوف تعرِفون الذي يأتيه عذابٌ والذي هو كاذب { وَٱرْتَقِبُواْ } وانتظروا مآلَ ما أقول. { إِنّى مَعَكُمْ رَقِيبٌ } منتظرٌ، فعيل بمعنى الراقب كالصريم، أو المراقب كالشعير أو المرتقب كالرفيع وفي زيادة معكم إظهارٌ منه عليه السلام لكمال الوثوق بأمره.