التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٩٤
كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ
٩٥
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا } أي عذابُنا كما ينبىء عنه قوله تعالى: { { سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } [هود: 93] أو وقتُه فإن الارتقابَ مؤذِنٌ بذلك { نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا } وهي الإيمانُ الذي وفقناهم له أو بمرحمة كائنةٍ منّا لهم، وإنما ذكر بالواو كما في قصة عاد لِما أنه لم يسبِقْه فيها ذكرُ وعدٍ يجري مجرىٰ السببِ المقتضي لدخول الفاءِ في معلوله كما في قصتي صالحٍ ولوط. فإنه قد سبق هنالك سابقةُ الوعد بقوله: { ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [هود: 65] وقوله: { { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } [هود: 81].{ وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } عدل إليه عن الضمير تسجيلاً عليهم بالظلم وإشعاراً بأن ما أخذهم إنما أخذهم بسبب ظلمِهم الذي فُصّل فيما سبق فنونُه { ٱلصَّيْحَةَ } قيل: صاح بهم جبريلُ عليه السلام فهلكوا، وفي سورة الأعراف { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } ، وفي سورة العنكبوت { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } أي الزلزلة، ولعلها من روادف الصيحةِ المستتبِعة لتموّج الهواء المفضي إليها كما مر فيما قبل { فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ } ميتين لازمين لأماكنهم لا بَراحَ لهم منها، ولمّا لم يُجعل متعلَّقُ العلمِ في قوله تعالى: { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ } الخ، نفسَ مجيءِ العذابِ بل من يجيئه ذلك جُعل مجيئُه بعد ذلك أمراً مسلَّمَ الوقوعِ غنياً عن الإخبار به حيث جعل شرطاً وجُعل تنجيةُ شعيبٍ عليه السلام وإهلاكُ الكفرة جواباً له ومقصودَ الإفادة، وإنما قدّم تنجيتُه اهتماماً بشأنها وإيذاناً بسبق الرحمةِ التي هي مقتضى الربوبـيةِ على الغضب الذي يظهر أثرُه بموجب جرائرِهم وجرائمهم { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ } أي لم يقيموا { فِيهَا } متصرفين في أطرافها متقلبـين في أكنافها { أَلاَ بُعْدًا لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } العدولُ عن الإضمار إلى الإظهار ليكون أدلَّ على طغيانهم الذي أدّاهم إلى هذه المرتبةِ وليكون أنسبَ بمن شُبّه هلاكُهم بهلاكهم أعني ثمود، وإنما شُبّه هلاكُهم بهلاكهم لأنهما أُهلكتا بنوع من العذاب وهو الصيحة، غير أن هؤلاءِ صيح بهم من فوقهم وأولئك من تحتهم وقرىء بعُدت بالضم على الأصل فإن الكسرَ تغيـيرٌ لتخصيص معنى البُعد بما يكون سببَ الهلاك والبعدُ مصدرٌ لهما والبُعدُ مصدرٌ للمكسور.