التفاسير

< >
عرض

قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
١٠٨
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٠٩
حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ
١١٠
-يوسف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِى } وهي الدعوةُ إلى التوحيد والإيمان بالإخلاص وفسّرها بقوله: { أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } بـيانٍ وحجةٍ واضحةٍ غيرِ عمياءَ أو هي حالٌ من الضمير في سبـيلي والعاملُ فيها معنى الإشارة { أَنَاْ } تأكيدٌ للمستكن في أدعو أو على بصيرة لأنه حال منه، أو مبتدأ خبرُه على بصيرة { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى } عطف عليه { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } مؤكد لما سبق من الدعوة إلى الله { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً } رد لقولهم { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلَـٰئِكَةً } [المؤمنون: 24] { نُّوحِى إِلَيْهِمْ } كما أوحينا إليك وقرىء بالياء { مّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } لأنهم أعلمُ وأحلم، وأهلُ البوادي فيهم الجهلُ والجفاءُ والقسوة.

{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من المكذبـين بالرسل والآياتِ فيحذَروا تكذيبك { وَلَدَارُ ٱلأَخِرَةِ } أي الساعةُ أو الحياة الآخرة { خَيْرٌ لّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } الشركَ والمعاصيَ { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } فتستعملوا عقولَكم لتعرِفوا خيريةَ دارِ الآخرة، وقرىء بالياء على أنه غيرُ داخل تحت قل. { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ } غايةٌ لمحذوف دل عليه السياقُ أي لا يغُرّنهم تماديهم فيما هم فيه من الدعة والرخاء فإن مَنْ قبلهم قد أُمهلوا حتى أيِسَ الرسل عن النصر عليهم في الدنيا أو عن إيمانهم لانهماكم في الكفر وتماديهم في الطغيان من غير وازع { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } كذَّبتْهم أنفسُهم حين حدثتْهم بأنهم يُنْصرون عليهم أو كذّبهم رجاؤهم فإنه يوصف بالصدق والكذب والمعنى أن مدة التكذيبِ والعداوة من الكفار وانتظارَ النصر من الله تعالى قد تطاولت وتمادت حتى استشعروا القُنوطَ وتوهّموا أن لا نصر لهم في الدنيا { جَاءهُمْ نَصْرُنَا } فجأة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وظنوا أنهم قد أُخلِفوا ما وعدهم الله من النصر فإن صح ذلك عنه فلعله أراد بالظن ما يخطُر بالبال من شبه الوسوسة وحديثِ النفس، وإنما عبر عنه بالظن تهويلاً للخطب، وأما الظنُّ الذي هو ترجّحُ أحدِ الجانبـين على الآخر فلا يُتصوّر ذلك من آحاد الأمة فما ظنُّك بالأنبـياء عليهم الصلاة والسلام وهم هم ومنزلتُهم في معرفة شؤونِ الله سبحانه منزلتُهم، وقيل: الضميران للمُرسل إليهم. وقيل: الأول لهم، والثاني للرسل، وقرىء بالتشديد أي ظن الرسلُ أن القوم كذّبوهم فيما وعدوهم وقرىء بالتخفيف على بناء الفاعل على أن الضميرين للرسل أي ظنوا أنهم كذَبوا عند قومهم فيما حدّثوا به لِما تراخىٰ ولم يرَوا له أثراً أو على أن الأول لقومهم { فَنُجّىَ مَن نَّشَاء } هم الرسلُ والمؤمنون بهم وقرىء فننجّي على لفظ المستقبل بالتخفيف والتشديد وقرىء فنجا { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }إذا نزل بهم وفيه بـيانٌ لمن تعلق بهم المشيئة.