التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٥
-يوسف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱسُتَبَقَا ٱلْبَابَ } متصلٌ بقوله: { { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } وقولُه: كذلك إلى آخره، اعتراضٌ جيء به بـين المعطوفَيْن تقريراً لنزاهته عليه السلام كقوله تعالى: { { وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْض } [الأنعام: 75] والمعنى لقد همت به وأبىٰ هو واستبقا الباب أي تسابقا إلى الباب البراني الذي هو المخلص، ولذلك وُحّد بعد الجمعِ فيما سلف وحُذف حرفُ الجر وأوصل الفعلُ إلى المجرور نحو وإذا كالوهم، أو ضُمِّن الاستباقُ معنى الابتدارِ، وإسناد السبق في ضمن الاستباق إليها مع أن مرادَها مجردُ منعِ يوسف وذا لا يوجب الانتهاء إلى الباب لأنها لما رأته يسرع إلى الباب ليتخلص منها أسرعت هي أيضاً لتسبِقَه إليه وتمنعه عن الفتح والخروج، أو عبر عن إسراعها إثْرَه بذلك مبالغة.

{ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ } اجتذبتْه من ورائه فانشق طولاً وهو القَدُّ كما أن الشقّ عرضاً هو القَطُّ، وقد قيل في وصف عليّ رضي الله عنه: «إنه كان إذا اعتلى قدّ وإذا اعترض قطّ» وإسنادُ القدِّ إليها خاصة مع أن لقوة يوسفَ أيضاً دخلاً فيه إما لأنها الجزءُ الأخيرُ للعلة التامةِ وإما للإيذان بمبالغتها في منعه عن الخروج وبذلِ مجهودِها في ذلك لفَوْت المحبوب أو لخوف الافتضاح { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا } أي صادفا زوجَها وإذْ لم يكن مُلكُه ليوسف عليه السلام صحيحاً لم يقل سيدهما. قيل: ألفياه مقبلاً وقيل: كان جالساً مع ابن عمَ للمرأة { لَدَىٰ ٱلْبَابِ } أي البراني كما مر. روى كعب رضي الله عنه أنه لما هرب يوسفُ عليه السلام جعل فَراشُ القُفلِ يتناثر ويسقط حتى خرج من الأبواب { قَالَتْ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال سائل يقول: فماذا كان حين ألفَيا العزيزَ عند الباب؟ فقيل: قالت: { مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا } من الزنىٰ ونحوه { إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ما نافية أي ليس جزاؤُه إلا السجنُ أو العذابُ الأليم، قيل: المرادُ به الضربُ بالسياط، أو استفهاميةٌ أي أيُّ شيءٍ جزاؤُه غيرُ ذاك أو ذلك، ولقد أتت في تلك الحالةِ التي تُدهش فيها الفَطِنَ حيث شاهدها العزيزُ على تلك الهيئة المُريبة بحيلة جمعت فيها غرضيها وهما تبرئةُ ساحتِها مما يلوح من ظاهر الحالِ واستنزالُ يوسف عن رأيه في استعصائه عليها وعدمِ مواتاتِه على مرادها بإلقاء الرعبِ في قلبه من مكرها طمعاً في مواقعته لها كرهاً عند يأسِها عن ذلك اختياراً كما قالت: { { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلْيَكُوناً مِّنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ } [يوسف: 32] ثم إنها جعلت صدورَ الإرادة المذكورةِ عن يوسف عليه السلام أمراً محققاً مفروغاً عنه غنياً عن الإخبار بوقوعه وأن ما هي عليه من الأفاعيل لأجل تحقيق جزائِها فهي تريد إيقاعَه حسبما يقتضيه قانونُ الإيالة، وفي إبهام المُريد تهويلٌ لشأن الجزاء المذكورِ بكونه قانوناً مطرداً في حق كل أحدٍ كائناً من كان، وفي ذكر نفسها بعنوان أهلية العزيزِ إعظامٌ للخطب وإغراءٌ له على تحقيق ما تتوخاه بحكم الغضب والحمية.