التفاسير

< >
عرض

يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ
٣٩
مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٠
-يوسف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يٰصَاحِبَىِ ٱلسّجْنِ } أي يا صاحبـيَّ في السجن كما تقول: يا سارق الليلةِ ناداهما بعنوان الصحبة في مدار الأشجانِ ودارِ الأحزان التي تصفو فيها المودةُ وتخلُص النصيحةُ ليُقبِلا عليه ويَقبَلا مقالتَه وقد ضرب لهما مثلاً يتضح به الحقُّ عندهما حقَّ اتضاحٍ فقال: { أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ } لا ارتباطَ بـينهم ولا اتفاقَ يستعبدُ كما كلٌّ منهم حسبما أراد غيرَ مراقب للآخَرين مع عدم استقلاله { خَيْرٌ } لكما { أَمِ ٱللَّهُ } المعبودُ بالحق { ٱلْوَاحِدُ } المتفرد بالألوهية { ٱلْقَهَّارُ } الغالبُ الذي لا يغالبه أحدٌ. وبعد ما نبههما على فساد تعددِ الأرباب بـين لهما سقوطَ ألهتِهما عن درجة الاعتبار رأساً فضلاً عن الألوهية فقال معمّماً للخطاب لهما ولمن على دينهما: { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ } أي من دون الله شيئاً { إِلاَّ أَسْمَاءً } فارغةً لا مطابقَ لها في الخارج لأن ما ليس فيه مصداقُ إطلاقِ الاسم عليه لا وجودَ له أصلاً فكانت عبادتُهم لتلك الأسماء فقط { سَمَّيْتُمُوهَا } جعلتموها أسماءً وإنما لم يَذكُر المسمَّياتِ تربـيةً لما يقتضيه المقامُ من إسقاطها عن مرتبة الوجودِ وإيذاناً بأن تسميتهم في البطلان حيث كانت بلا مسمّى كعبادتهم حيث كانت بلا معبود { أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ } بمحض جهلِكم وضلالتِكم { مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا } أي بتلك التسميةِ المستتبِعة للعبادة { مّن سُلْطَـٰنٍ } من حجة تدل على صحتها { إِنِ ٱلْحُكْمُ } في أمر العبادة المتفرعةِ على تلك التسمية { إِلاَ لِلَّهِ } عز سلطانُه لأنه المستحقُّ لها بالذات إذ هو الواجبُ بالذات الموجدُ للكل والمالكُ لأمره { أَمَرَ } استئنافٌ مبني على سؤال ناشىءٍ من قوله: إن الحكم إلا لله فكأنه قيل: فماذا حكم الله في هذا الشأن؟ فقيل: أمر على ألسنة الأنبـياءِ عليهم السلام { أَلاَّ تَعْبُدُواْ } أي بأن لا تعبُدوا { إِلاَّ إِيَّاهُ } حسبما تقضي به قضيةُ العقل أيضاً { ذٰلِكَ } أي تخصيصُه تعالى بالعبادة { ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ } الثابتُ المستقيم الذي تعاضدت عليه البراهينُ عقلاً ونقلاً { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أن ذلك هو الدينُ القيم لجهلهم بتلك البراهينِ أو لا يعلمون شيئاً أصلاً فيعبدون أسماءً سمَّوها من تلقاء أنفسِهم معْرِضين عن البرهان العقليِّ والسلطانِ النقليِّ.

وبعد تحقيقِ الحقِّ ودعوتِهما إليه وبـيانِه لهما مقدارَه الرفيعَ ومرتبةَ علمِه الواسِع شرع في تفسير ما استعبراه ولكونه بحثاً مغايِراً لما سبق فصلُه عنه بتكرير الخطاب فقال: