التفاسير

< >
عرض

الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ
١
ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
٢
-إبراهيم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ الر } مر الكلامُ فيه وفي محله غيرَ مرة وقوله تعالى: { كِتَابٌ } خبرٌ له على تقدير كون آلر مبتدأً أو لمبتدإٍ مضمرٍ على تقدير كونِه خبراً لمبتدأ محذوف، أو مسروداً على نمط التعديد، ويجوز أن يكون خبراً ثانياً لهذا المبتدأ المحذوف، وقوله تعالى: { أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ } صفةٌ له وقوله تعالى: { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } متعلقٌ بأنزلناه أي لتخرجَهم كافةً بما في تضاعيفه من البـينات الواضحة المفصحةِ عن كونه من عند الله عز وجل الكاشفةِ عن العقائد الحقةِ، وقرىء ليخرِج الناسَ { مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ } أي ليُخرج به الناسَ من عقائد الكفر والضلال التي كلُّها ظلماتٌ محضةٌ وجهالاتٌ صِرْفة { إِلَى ٱلنُّورِ } إلى الحق الذي هو نورٌ بحتٌ لكن لا كيفما كان، فإنك لا تهدي من أحببت بل { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } أي بتيسيره وتوفيقِه وللإنباء عن كون ذلك منوطاً بإقبالهم إلى الحق كما يفصح عنه قوله تعالى: { { وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } [الرعد: 27] استُعير له الإذنُ الذي هو عبارةٌ عن تسهيل الحجابِ لمن يقصِد الورودَ، وأضيف إلى ضميرهم اسمُ الربِّ المفصحِ عن التربـية التي هي عبارةٌ عن تبليغ الشيءِ إلى كماله المتوجّه إليه، وشمولُ الإذن بهذا المعنى للكل واضحٌ وعليه يدور كونُ الإنزال لإخراجهم جميعاً، وعدمُ تحققِ الإذن بالفعل في بعضهم ـ لعدم تحققِ شرطِه المستند إلى سوء اختيارِهم ـ غيرُ مخلٍ بذلك والباء متعلقةٌ بتخرج أو بمضمر وقع حالاً من مفعوله أي ملتبسين بإذن ربِّهم، وجعله حالاً من فاعله يأباه إضافةُ الربِّ إليهم لا إليه وحيث كان الحقُّ مع وضوحه في نفسه وإيضاحه لغيره موصلاً إلى الله عز وجل استُعير له النورُ تارة والصراطُ أخرى، فقيل: { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } على وجه الإبدالِ بتكرير العامل كما في قوله تعالى: { { لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ } [الأعراف: 75] وإخلالُ البدل والبـيانِ بالاستعارة إنما هو في الحقيقة لا في المجاز كما في قوله سبحانه: { { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ } [البقرة: 187] وقيل: هو استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال، كأنه قيل: إلى أي نور؟ فقيل: إلى صراط العزيز الحميد، وإضافةُ الصراط إليه تعالى لأنه مقصِدُه أو المبـينُ له، وتخصيصُ الوصفين بالذكر للترغيب في سلوكه ببـيان ما فيه من الأمن والعاقبةِ الحميدة.

{ ٱللَّهِ } بالجر عطفُ بـيان للعزيز الحميد لجريانه مَجرى الأعلامِ الغالبة بالاختصاص بالمعبود بالحق كالنجم في الثريا. وقرىء بالرفع على (تقدير) هو الله، أي العزيزِ الحميد الذي أضيف إليه صراط الله { ٱلَّذِى لَهُ } مُلكاً ومِلكاً { مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي ما وُجد فيهما داخلاً فيهما أو خارجاً عنهما متمكناً فيهما كما مر في آية الكرسي، ففيه على القراءتين بـيانٌ لكمال فخامة شأنِ الصراط وإظهارٌ لتحتم سلوكه على الناس قاطبةً، وتجويزُ الرفع على الابتداء بجعل الموصول خبراً مبناه الغفولُ عن هذه النكتة وقوله عز وجل: { وَوَيْلٌ لّلْكَـٰفِرِينَ } وعيدٌ لمن كفر بالكتاب ولم يخرجْ به من الظلمات إلى النور بالويل وهو نقيضُ الوال وهو النجاةُ وأصله النصبُ كسائر المصادر ثم رفع رفعها للدلالة على الثبات كسلامٌ عليك { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } متعلق بويل على معنى يولّون ويضِجون منه قائلين: يا ويلاه، كقوله تعالى: { { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } }.[الفرقان: 13].