التفاسير

< >
عرض

وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ
١٦
أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
١٧
-النحل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَعَلامَـٰتٍ } معالمَ يَستدِلّ بها السابلةُ بالنهار من جبل وسهلٍ وريح، وقد نُقل أن جماعة يشمّون الترابَ ويتعرفون به الطرقات { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } بالليل في البراري والبحارِ حيث لا علامة غيرُه، والمرادُ بالنجم الجنسُ، وقيل: هو الثريا والفَرْقدان وبناتُ نعش والجدي، وقرىء بضمتين وبضمة وسكون وهو جمع كرُهْن ورُهُن، وقيل: الأول بطريق حذف الواو من النجوم للتخفيف ولعل الضميرَ لقريش فإنهم كانوا كثيري الترددِ للتجارة مشهورين بالاهتداء بالنجوم في أسفارهم، وصرفُ النظمِ عن سنن الخطاب وتقديمُ النجم وإقحامُ الضمير للتخصيص، كأنه قيل: وبالنجم خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدون فالاعتبار بذلك والشكر عليه ألزم لهم وأوجب عليهم.

{ أَفَمَن يَخْلُقُ } هذه المصنوعاتِ العظيمةَ ويفعل هاتيك الأفاعيلَ البديعة، أو يخلق كلَّ شيء { كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } شيئاً أصلاً وهو تبكيتٌ للكفرة وإبطالٌ لإشراكهم وعبادتِهم للأصنام بإنكار ما يستلزمه ذلك من المشابهة بـينها وبـينه سبحانه وتعالى بعد تعدادِ ما يقتضي ذلك اقتضاء ظاهراً، وتعقيبُ الهمزة بالفاء لتوجيه الإنكارِ إلى توهم المشابهةِ المذكورة على ما فصل من الأمور العظيمة الظاهرةِ الاختصاصِ به تعالى المعلومة كذلك فيما بـينهم حسبما يُؤذِن به ما تلوناه من قوله تعالى: { { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } [العنكبوت، الآية 61و63]، والاقتصارُ على ذكر الخلقِ من بـينها لكونه أعظمَها وأظهرَها واستتباعِه إياها، أو لكون كلَ منها خلقاً مخصوصاً أي أبعدَ ظهورِ اختصاصِه تعالى بمبدئية هذه الشؤونِ الواضحةِ الدَّلالةِ على وحدانيته تعالى وتفرّدِه بالألوهية واستبدادِه باستحقاق العبادةِ، يُتصوّر المشابهةُ بـينه وبـين ما هو بمعزل من ذلك بالمرة كما هو قضيةُ إشراكِكم ومدارها وإن كان على نسبةٍ تقوم بالمنتسبـين، اختير ما عليه النظمُ الكريم مراعاةً لحقّ سبْقِ الملَكةِ على العدم وتفادياً عن توسيط عدمِها بـينها وبـين جزئياتها المفصّلة قبلها وتنبـيهاً على كمال قبحِ ما فعلوه من حيث إن ذلك ليس مجردَ رفعِ الأصنام عن محلها بل هو حطٌّ لمنزلة الربوبـيةِ إلى مرتبة الجماداتِ، ولا ريب في أنه أقبحُ من الأول، والمرادُ بمن لا يخلق كلُّ ما هذا شأنُه كائناً ما كان، والتعبـير عنه بما يختص بالعقلاء للمشاكلة، أو العقلاءِ خاصة، ويُعرف منه حالُ غيرهم لدِلالة النص فإن من يخلق حيث لم يكن كمن لا يخلق وهو من جملة العقلاءِ، فما ظنُّك بالجماد وأياً ما كان فدخولُ الأصنام في حكم عدمِ المماثلة والمشابهةِ إما بطريق الاندراجِ تحت الموصولِ العام وإما بطريق الانفهام بدلالة النص على الطريقة البرهانية، لا بأنها هي المرادةُ بالموصول خاصة { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي ألا تلاحظون فلا تتذكرون ذلك فإنه لوضوحه بحيث لا يفتقر إلى شيء سوى التذكر.