التفاسير

< >
عرض

تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٦٣
وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٦٤
وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
٦٥
-النحل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ } تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما يناله من جهالات الكفرةِ ووعيدٌ لهم على ذلك، أي أرسلنا إليهم رسلاً فدعَوْهم إلى الحق فلم يجيبوا إلى ذلك { فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـِّنُ أَعْمَالَهُمْ } القبـيحةَ فعكفوا عليها مُصِرّين { فَهُوَ وَلِيُّهُم } أي قرينُهم وبئس القرينُ { ٱلْيَوْمَ } أي يوم زين لهم الشيطانُ أعمالهم فيه على طريق حكايةِ الحال الآتية وهي حالُ كونهم معذبـين في النار، والوليُّ بمعنى الناصر أي فهو ناصرهم اليوم لا ناصرَ لهم غيرُه مبالغةً في نفي الناصرِ عنهم، ويجوز أن يكون الضميرُ عائداً إلى مشركي قريش والمعنى زيّن للأمم السالفة أعمالَهم فهو وليُّ هؤلاء لأنهم منهم وأن يكون على حذف المضافِ أي وليُّ أمثالهم { وَلَهُمْ } في الآخرة { عَذَابٌ أَلِيمٌ } هو عذابُ النار.

{ وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي القرآن { إِلاَّ لِتُبَيّنَ } استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم العلل أي ما أنزلناه عليك لعلّةٍ من العلل إلا لتبـين { لَهُمْ } أي للناس { ٱلَّذِى ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } من التوحيد والقدَر وأحكامِ الأفعال وأحوال المعاد { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } معطوفان على محل لتبـين أي وللهداية والرحمة { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } وإنما انتصبا لكونهما أثرَيْ فاعلِ الفعل المعلَّل بخلاف التبـيـين حيث لم ينتصِبْ لفقدان شرطِه، ولعل تقديمَه عليهما لتقدُّمه في الوجود، وتخصيصُ كونهما هدًى ورحمةً بالمؤمنين لأنهم المغتنِمون آثارَه.

{ وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَاء } من السحاب أو من جانب السماء حسبما مرّ، وهذا تكرير لما سبق تأكيداً لمضمونه وتوطئةً لما يعقُبه من أدلة التوحيد { مَاء } نوعاً خاصاً من الماء هو المطرُ، وتقديمُ المجرور على المنصوب لما مر مراراً من التشويق إلى المؤخر { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ } بما أنبت به فيها من أنواع النباتات { بَعْدَ مَوْتِهَا } أي بعد يُبْسها، وما يفيده الفاءُ من التعقيب العاديّ لا ينافيه ما بـين المعطوفين من المهلة { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي في إنزال الماء من السماء وإحياءِ الأرض الميتةِ به { لآيَةً } وأيةَ آيةٍ دالةٍ على وحدته سبحانه وعلمه وقدرتِه وحكمتِه { لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } هذا التذكيرَ ونظائرَه سماعَ تفكرٍ وتدبُّر فكأن مَنْ ليس كذلك أصمُّ.