التفاسير

< >
عرض

صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ
١٣٨
قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ
١٣٩
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ } الصِّبغة من الصِّبْغ كالجلسة من الجلوس وهي الحالة التي يقع عليها الصَّبْغُ عبر بها عن الإيمان بما ذكر على الوجه الذي فصل لكونه تطهيراً للمؤمنين من أوْ ضارِ الكفر وحليةً تُزَيِّنُهم بآثاره الجميلة ومتداخِلاً في قلوبهم كما أن شأن الصَّبْغ بالنسبة إلى الثوب كذلك وقيل للمشاكلة التقديرية فإن النصارى كانوا يغمِسون أولادَهم في ماء أصفرَ يسمونه المعمودية ويزعُمون أنه تطهيرٌ لهم وبه يحِق نصرانيتُهم وإضافتها إلى الله عز وجل مع استناده فيما سلف إلى ضمير المتكلمين للتشريفِ والإيذانِ بأنها عطية منه سبحانه لا يستقِلُّ العبدُ بتحصيلها فهي إذن مصدرٌ مؤكدٌ لقوله تعالى: { آمنا } داخل معه في حيز قولوا منتصبٌ عنه انتصابَ وعد الله عما تقدمه لكونه بمثابة فعلِه كأنه قيل: صَبَغنا الله صِبغةً وقيل: هي منصوبة بفعل الإغراء أي الزموا صبغةَ الله وإنما وُسّط بـينهما الشرطيتان وما بعدهما اعتناءً ببـيان أنه الإيمانُ الحقُّ وبه الاهتداءُ ومسارعةً إلى تسليته عليه الصلاة والسلام { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ } مبتدأ وخبر، الاستفهامُ للإنكار والنفي وقولُه تعالى: { صِبْغَةَ } نصبٌ على التميـيز من أحسنُ منقولٌ من المبتدأ والتقديرُ ومن صبغتُه أحسنُ من صبغته تعالى فالتفضيلُ جارٍ بـين الصِّبغتين لا بـين فاعليهما أي لا صبغةَ أحسنُ من صبغته تعالى على معنى أنها أحسنُ من كل صبغة على ما أشير إليه في قوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ } [البقرة، الآية: 114] الخ وحيث كان مدارُ التفضيل على تعميم الحسن الحقيقي والفَرَضي المبني على زعم الكفرة لم يلزم منه أن يكون في صبغة غيرِه تعالى حُسْنٌ في الجملة، والجملةُ اعتراضية مقرِّرة لما في صبغة الله من معنى التبجّح والابتهاج { وَنَحْنُ لَهُ } أي لله الذي أولانا تلك النعمةَ الجليلةَ { عَـٰبِدُونَ } شكراً لها ولسائر نِعمِه، وتقديمُ الظرف للاهتمام ورعايةِ الفواصل، وهو عطفٌ على آمنا داخلٌ معه تحت الأمرِ وإيثارُ الاسميةِ للإشعار بدوام العبادةِ أو على فعل الإغراء بتقدير القول أي الزمَوا صِبغة الله وقولوا نحن له عابدون فقوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً } حينئذ يجري مَجرى التعليل للإغراء { قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا } تجريدُ الخطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم عقِبَ الكلام الداخلِ تحت الأمر الواردِ بالخطاب العام لما أن المأمورَ به من الوظائف الخاصةِ به عليه الصلاة والسلام وقُرىء بإدغام النونِ والهمزةُ للإنكار والتوبـيخ أي أتجادلوننا { فِى ٱللَّهِ } أي في دينه وتدّعون أن دينَه الحقَّ هو اليهوديةُ والنصرانية وتبنون دخولَ الجنة والاهتداءَ عليهما وتقولون تارة لن يدخلَ الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى وتارة كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } جملة حالية وكذلك ما عليها أي أتجادلوننا والحالُ أنه لا وجه للمجادلة أصلاً لأنه تعالى ربُنا أي مالكُ أمرنا وأمرِكم { وَلَنَا أَعْمَـٰلُنَا } الحسنةُ الموافقةُ لأمره { وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } السيئةُ المخالفة لحُكمه { وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } في تلك الأعمال لا نبتغي بها إلا وجهَه فأنّى لكم المُحاجّةُ وادعاء حقية ما أنتم عليه والطمعِ في دخول الجنة بسببه ودعوةِ الناس إليه.