التفاسير

< >
عرض

وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٤٤
مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢٤٥
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } عطفٌ على مقدر يعيِّنه ما قبله كأنه قيل: فاشكروا فضلَه بالاعتبار بما قص عليكم وقاتلوا في سبـيله لما علمتم أن الفِرارَ لا يُنْجي من الحِمام وأن المقدرَ لا مردَّ له، فإن كان قد حان الأجلُ فموتٌ في سبـيل الله عز وجل وإلا فنصرٌ عزيزٌ وثواب { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } يسمع مَقالة السابقين والمتخلّفين { عَلِيمٌ } بما يُضمِرونه في أنفسهم وهو من وراء الجزاء خيراً أو شراً فسارعوا إلى الامتثال واحذروا المخالفة والمساهلة.

{ مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ } من استفهامية مرفوعةُ المحلِّ بالابتداء وذا خبرُه، والموصولُ صفة له أو بدل منه، وإقراضُ الله تعالى مَثَلٌ لتقديم العمل العاجل طلباً للثواب الآجل، والمراد هٰهنا إما الجهادُ الذي هو عبارةٌ عن بذل النفسِ والمالِ في سبـيل الله عز وجل ابتغاءً لمرضاته وإما مطلقُ العملِ الصالحِ المنتظم له انتظاماً أولياً { قَرْضًا حَسَنًا } أي إقراضاً مقروناً بالإخلاص وطيبِ النفسِ أو مقرضاً حلالاً طيباً { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } بالنصب على جواب الاستفهام حملاً على المعنى فإنه في معنى أَيُقرِضُه وقرىء بالرفع أي يضاعفُ أجرَه وجزاءَه، جعل ذلك مضاعفةً له بناءً على ما بـينهما من المناسبة بالسببـية والمسبَّـية ظاهراً، وصيغةُ المفاعلة للمبالغة وقرىء فيُضْعِفُه بالرفع بالنصب { أَضْعَافًا } جمعُ ضِعف، ونصبُه على أنه حال من الضمير المنصوب أو مفعولٌ بأن يُضمَّنَ المضاعفةُ معنى التصيـير، أو مصدرٌ مؤكد على أن الضِعْفَ اسم للمصدر والجمع للتنوين { كَثِيرَةٍ } لا يعلم قدرَها إلا الله تعالى وقيل: الواحد بسبعمائة { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } أي يقتّر على بعض ويوسّع على بعض أو يقتِّر تارةً ويوسّع أخرى حسبما تقتضيه مشيئتُه المبنيةُ على الحِكَم والمصالح فلا تبخلوا عليه بما وسَّع عليكم كي لا يبدِّل أحوالَكم. ولعل تأخيرَ البسط عن القبض في الذكر للإيماء إلى أنه يعقُبه في الوجود تسليةً للفقراء وقرىء يبصُط بالصاد لمجاورة الطاء { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازِيكم على ما قدّمتم من الأعمال خيراً وشراً.