التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ
٣٩
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا } عطف على من تِبعَ الخ قسيمٌ له، كأنه قيل: ومن لم يتْبَعْه، وإنما أوثر عليه ما ذكر تفظيعاً لحال الضلالةِ وإظهاراً لكمالِ قُبحِها، وإيراد الموصولِ بصيغة الجمعِ للإشعار بكثرة الكفرة، والجمعُ بـين الكفر والتكذيب للإيذان بتنوّع الهُدىٰ إلى ما ذكر من النوعين، وإيراد نونِ العظمةِ لتربـية المهابة وإدخالِ الروعةِ، وإضافةُ الآياتِ إليها لإظهار كمالِ قبحِ التكذيبِ بها، أي والذين كفروا برُسُلنا المرسلةِ إليهم وكذبوا بآياتنا المنزلة عليهم، وقيل: المعنى كفروا بالله وكذبوا بآياته التي أنزلها على الأنبـياء عليهم السلام، أو أظهَرها بأيديهم من المعجزات، وقيل: كفروا بالآيات جَناناً وكذبوا بها لساناً فيكون كلا الفعلين متوجهاً إلى الجار والمجرور، والآية في الأصل العلامة الظاهرة، قال النابغة: [الطويل]

توهمْتُ آياتٍ لها فعرَفتُهالستة أعوامٍ وذا العامُ سابعُ

ويقال للمصنوعات من حيث دلالتُها على الصانع تعالى وعلمِه وقدرتِه ولكل طائفةٍ من كلمات القرآنِ المتميِّزة عن غيرها بفصل لأنها علامةٌ لانفصال ما قبلها مما بعدها، وقيل: لأنها تُجْمَعُ كلماتٌ منه فيكون من قولهم خرج بنو فلان بآيتهم أي بجماعتهم قال:

خرجْنا من البـيتينِ لا حيَّ مثلُنابآيتِنا نُزجي النِّعاجَ المَطافِلا

واشتقاقُها من أَيْ لأنها تبـين أياً من أيَ، أو من أوى إليه أي رجَع وأصلُها أَوْية أو أيّة، فأبدلت عينها ألفاً على غير قياس أو أوَيَة أو أيَـيَة كرَمَكَة، فأُعِلَّت أو آئِيَة كقائلة، فحُذفت الهمزة تخفيفاً { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الموصوف باعتبار اتصافه بما في حيز الصلةِ من الكفر والتكذيب وفيه إشعارٌ بتميزهم بذلك الوصف تميزاً مصحِّحاً للإشارة الحسية، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم فيه وهو مبتدأ، وقوله عز وجل: { أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ } أي ملازموها وملابسوها بحيث لا يفارقونها خبره، والجملة خبرٌ للموصول أو اسمُ الإشارةِ بدل من الموصول، أو عطفُ بـيان له، وأصحاب النار خبرٌ له وقوله تعالى: { هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } في حيز النصب على الحالية لورود التصريح به في قوله تعالى: { أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } وقد جُوِّز كونُه حالاً من النار لاشتماله على ضميرها، والعامل معنى الإضافة أو اللامُ المقدرة أو في محل الرفع على أنه خبر آخرُ لأولئك على رأي من جوز وقوع الجملة خبراً ثانياً، وفيها متعلق بخالدون والخلودُ في الأصل المكثُ الطويلُ وقد انعقد الإجماع على أن المراد به الدوام.