التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ
٥٠
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَإِذْ فَرَّقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } بـيان لسبب التنجيةِ وتصويرٌ لكيفيتها إثرَ تذكيرها وبـيانُ عِظمِها وهولِها وقد بَـيّن في تضاعيف ذلك نعمةً جليلةً أخرى هي الأنجاءُ من الغرق أي واذكروا إذ فلقناه بسلوككم كقوله تعالى: { { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون، الآية 20] أو بسبب إنجائكم وفصَلْنا بـين بعضِه وبعضٍ حتى حصلت مسالكُ، وقرىء بالتشديد للتكثير لأن المسالك كانت اثني عشَرَ بعدد الأسباط { فَأَنجَيْنَـٰكُمْ } أي من الغرق بإخراجكم إلى الساحل كما يصرِّح به العدولُ إلى صيغة الإفعال بعد إيرادِ التخليصِ من فرعون بصيغة التفعيل وكذا قولُه تعالى: { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } أريد فرعونُ وقومُه وإنما اقتُصر على ذكرهم للعلم بأنه أولى به منهم وقيل: شخصُه كما روُي أن الحسن رضي الله عنه كان يقول: اللهم صل على آل محمدٍ أي شخصِه واستُغنى بذكره عن ذكر قومه { وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } ذلك أو غرقَهم وإطباقَ البحر عليهم أو انفلاقَ البحر عن طرق يابسةٍ مذللة أو جثثَهم التي قذفها البحرُ إلى الساحل أو ينظرُ بعضُكم بعضاً.

روي أنه تعالى أمر موسى عليه السلام أن يسريَ ببني إسرائيلَ فخرج بهم فصبحهم فرعونُ وجنودُه وصادفوهم على شاطىء البحر فأوحى الله تعالى إليه أن اضرِبْ بعصاك البحر فضربه بها فظهر فيها اثنا عشر طريقاً يابساً فسلكوها فقالوا: نخاف أن يغرَقَ بعضُ أصحابنا فلا نعلم ففتح الله تعالى فيها كُوىً فتراءَوْا وتسامعوا حتى عبروا البحرَ فلما وصل إليه فرعونُ فرآه منفلقاً اقتحمه هو وجنودُه فغشِيَهم ما غشيهم. واعلم أن هذه الواقعة كما أنها لموسى معجزةٌ عظيمة تخِرُّ لها أطُمُ الجبال ونعمةٌ عظيمة لأوائل بني إسرائيلَ موجبةٌ عليهم شكرَها كذلك اقتصاصُها على ما هي عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزةٌ جليلةٌ تطمئن بها القلوبُ الأبـية وتنقاد لها النفوس الغبـية موجبةً لأعقابهم أن يتلقَّوْها بالإذعان فلا تأثرت أوائلُهم بمشاهدتها ورؤيتها ولا تذكرت أواخرُهم بتذكيرها وروايتها فيا لها من عصابة ما أعصاها وطائفةٍ ما أطغاها.