التفاسير

< >
عرض

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ
٣٤
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٣٥
وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ
٣٦
-الأنبياء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } أي في الدنيا لكونه مخالفاً للحكمة التكوينيةِ والتشريعية { أفَإن مِتَ } بمقتضى حكمتِنا { فَهُمُ ٱلْخَـٰلِدُونَ } نزلت حين قالوا: نتربّص به ريبَ المَنون، والفاءُ لتعليق الشرطيةِ بما قبلها والهمزةُ لإنكار مضمونِها بعد تقرّر القاعدةِ الكلية النافية لذلك بالمرة، والمرادُ بإنكار خلودِهم ونفيه إنكارُ ما هو مدارٌ له وجوداً وعدماً من شماتتهم بموته عليه السلام، فإن الشماتةَ بما يعتريه أيضاً مما لا ينبغي أن يصدُرَ عن العاقل كأنه قيل: أفإن متَّ فهم الخالدون حتى يشمتوا بموتك وقوله تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } أي ذائقةٌ مرارةَ مفارقتِها جسدَها، برهانٌ على ما أُنكِرَ من خلودهم.

{ وَنَبْلُوكُم } الخطابُ إما للناس كافة بطريق التلوينِ أو للكفرة بطريق الالتفات أي نعاملكم معاملة من يبلوكم { بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ } بالبلايا والنعم هل تصبرون وتشكرون أو لا { فِتْنَةً } مصدرٌ مؤكد لنبلوَكم من غير لفظِه { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } لا إلى غيرنا لا استقلالاً ولا اشتراكاً فنجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال، فهو على الأول وعد ووعيدٌ وعلى الثاني وعيدٌ محضٌ وفيه إيماءٌ إلى أن المقصود من هذه الحياة الدنيا الابتلاءُ والتعريضُ للثواب والعقاب، وقرىء يُرجعون بالياء على الالتفات.

{ وَإِذَا رَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي المشركون { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } أي ما يتخذونك إلا مهزوءاً به على معنى قصرِ معاملتهم معه عليه السلام على اتخاذهم إياه هُزواً، لا على معنى قصرِ اتخاذهم على كونه هزواً كما هو المتبادرُ، كأنه قيل: ما يفعلون بك إلا اتخاذَك هزواً وقد مر تحقيقه في قوله تعالى: { { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } [سورة الأنعام: 50] في سورة الأنعام { أَهَـٰذَا ٱلَّذِى يَذْكُرُ الِهَتَكُمْ } على إرادة القولِ أي ويقولون أو قائلين ذلك أي يذكرهم الخ، وقوله تعالى: { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } في حيز النصبِ على الحالية من ضمير القول المقدرِ والمعنى أنهم يَعيبون عليه عليه الصلاة والسلام أن يذكُرَ آلهتَهم التي لا تضُرّ ولا تنفع بالسوء، والحالُ أنهم بذكر الرحمٰنِ المنْعِم عليهم بما يليق به من التوحيد أو بإرشاد الخلق بإرسال الرسلِ وإنزالِ الكتب أو بالقرآن كافرون بذكر الرحمٰن، والضمير الثاني تأكيدٌ لفظيٌّ للأول فوقع الفصلُ بـين العامل ومعمولِه بالمؤكد، وبـين المؤكِّد والمؤكَّد بالمعمول.