التفاسير

< >
عرض

قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ
٢
وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ
٣
-المؤمنون

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

سورة المؤمنون

مكية وهي عند البصريين مائة وتسع عشرة آية وعند الكوفيين مائة وثماني عشرة آية

{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } الفلاحُ الفوزُ بالمرام والنجاةُ من المكروه، وقيل: البقاءُ في الخير والإفلاحُ الدُّخولُ في ذلكَ كالإبشارِ الذي هو الدخولُ في البشارةِ وقد يجيءُ متعدياً بمعنى الإدخال فيه وعليه قراءةُ مَن قرأ على البناء للمفعول. وكلمةُ قد هٰهنا لإفادةِ ثبوتِ ما كان متوقعَ الثُّبوتِ من قبلُ لا متوقعَ الإخبارِ به ضرورةَ أنَّ المتوقعَ من حال المؤمنينَ ثبوتُ الفلاحِ لهم لا الإخبارُ بذلك فالمعنى قد فازوا بكلِّ خيرٍ ونجوا من كلِّ ضيرٍ حسبما كان ذلك متوقعاً من حالِهم فإنَّ إيمانَهم وما تفرَّعَ عليه من أعمالهم الصالحةِ من دواعي الفلاحِ بموجب الوعدِ الكريمِ خلا أنَّه إنْ أُريد بالإفلاح حقيقةُ الدُّخولِ في الفلاح الذي لا يتحققُ إلا في الآخرة فالإخبارُ به على صيغة الماضي للدِّلالة على تحققه لا محالةَ بتنزيله منزلةَ الثابتِ وإنْ أُريد كونُهم بحالٍ تستتبعُه البتةَ فصيغةُ الماضي في محلِّها. وقُرِىءَ أفلحُوا على الإبهامِ والتفسيرِ أو على أكلوني البراغيثُ. وقُرىءَ أفلحُ بضمة اكتفَى بها عن الواوِ كما في قولِ من قال:

ولو أنَّ الأطبَّا كانُ حَولي

والمرادُ بالمؤمنينَ إمَّا المصدِّقون بما عُلمَ ضرورة أنَّه من دينِ نبـينا صلى الله عليه وسلم من التَّوحيدِ والنبوةِ والبعثِ والجزاءِ ونظائرِها فقولُه تعالى: { ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ } وما عُطف عليه صفاتٌ مخصصةٌ لهم وإما الآتون بفروعه أيضاً كما يُنبىء عنه إضافةُ الصَّلاة إليهم فهي صفاتٌ موضحةٌ أو مادحةٌ لهم حسب اعتبارِ ما ذُكر في حيز الصِّلةِ من المعاني مع الإيمان إجمالاً أو تفصيلاً كما مرَّ في أوائل سُورة البقرة. والخشوعُ الخوفُ والتَّذللُ أي خائفون من الله عزَّ وجلَّ متذلِّلون له ملزمون أبصارَهم مساجدَهم. رُوي "أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كان إذا صلَّى رفع بصره إلى السَّماءِ فلمَّا نزلتْ رمى ببصره نحوَ مسجدِه. وأنَّه رأى مُصلِّياً يعبث بلحيته فقال: لو خشعَ قلبُ هذا لخشعتْ جوارحُه" .

{ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ } أي عمَّا لا يعنيهم من الأقوال والأفعال { مُّعْرِضُونَ } أي في عامَّة أوقاتهم كما يُنبىء عنه الاسمُ الدَّالُّ على الاستمرار فيدخل في ذلك إعراضُهم عنه حالَ اشتغالِهم بالصَّلاةِ دخولاً أوليًّا ومدارُ إعراضهم عنه ما فيه من الحالة الدَّاعيةِ إلى الإعراض عنه لا مجرَّدَ الاشتغالِ بالجدِّ في أمور الدِّينِ كما قيل فإنَّ ذلك رُبَّما يُوهم أنْ لا يكونَ في اللَّغوِ نفسه ما يزجرُهم عن تعاطيهِ وهو أبلغُ من أنْ يُقالَ لا يلهون من وجوه جعلِ الجملةِ اسميَّةً وبناءِ الحكم على الضَّميرِ والتَّعبـيرِ عنه بالاسمِ وتقديمُ الصِّلةِ عليه، وإقامةُ الإعراضِ مُقامَ التَّركِ ليدلَّ على تباعدهم عنه رأساً مباشرةً وتسبُّباً وميلاً وحضوراً فإنَّ أصلَه أنْ يكونَ في عرضٍ غيرِ عرضِه.