التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
٨٩
وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ
٩٠
وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ
٩١
وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ
٩٢
مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ
٩٣
فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ
٩٤
-الشعراء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } أي عن مرض الكُفرِ والنِّفاقِ ضرورةَ اشتراطِ نفع كلَ منهما بالإيمان، وفيه تأيـيدٌ لكونِ استغفارِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأبـيه طلباً لهدايتِه إلى الإيمانِ لاستحالةِ طلبِ مغفرتِه بعد موته كافراً مع علمِه عليه الصَّلاةُ والسَّلام بعدم نفعه لأنَّه من باب الشَّفاعةِ وقيل: هو استثناءٌ من فاعلٍ ينفعُ بتقدير المضافِ أي الآمال من أو بنو من أتى الله الآيةَ وقيل: المضاف المحذوف ليس من جنس المُستثنى منه حقيقةً بل بضرب من الاعتبارِ كما في قوله: [الوافر]

[وخيلٌ قد دلَفْتُ لها بخيلٍ] تحيَّةَ بـينهم ضربٌ وجيعُ

أي إلا حالَ من أتى الله بقلبٍ سليم على أنَّها عبارةٌ عن سلامة القلبِ كأنَّه قيل: إلا سلامةَ قلبِ مَن أتى الله الآيةٍ، وقيل المضاف المحذوف ما دلَّ عليه المالُ والبنون من الغنى وهو المُستثنى منه كأنَّه قيل: يومَ لا ينفعُ غِنَى إلا غِنَىٰ من أتى الله الآيةَ لأنَّ غِنَىٰ المرءِ في دينِه بسلامةِ قلبِه وقيل: الاستثناءُ منقطعُ والمعنى لكن سلامة قلبه تنفعه.

{ وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } عطف على لا ينفع. وصيغةُ الماضي فيه وفيما بعدَهُ من الجُمل المنتظمةِ معه في سلك العطف للدِّلالة على تحقُّق الوقوعِ وتقرُّره كما أنَّ صيغةَ المضارعِ في المعطوفِ عليه للدِّلالة على استمرار انتفاءِ النَّفع ودوامِه حسبما يقتضيهِ مقامُ التَّهويل والتَّفظيعِ أي قُربتِ الجنَّةُ للمتَّقين عن الكفر والمَعاصي بجيثُ يُشاهدونها من الموقفِ ويقفُون على ما فيها من فنُون المحاسنِ فيبتهجُون بأنَّهم المحشورون إليها.

{ وَبُرّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ }الضَّالِّين عن طريق الحقِّ الذي هو الإيمانُ والتَّقوى أي جُعلت بارزةً لهم بحيث يَرَونها مع ما فيها من أنواع الأحوالِ الهائلةِ ويُوقنون بأنَّهم مواقعوها ولا يجدُون عنها مَصْرفاً { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } في الدُّنيا { تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي أين آلهتكم الذين كنتُم تزعمون في الدُّنيا أنَّهم شفعاؤكم في هذا الموقفِ { هَلْ يَنصُرُونَكُمْ } بدفعِ العذابِ عنكم { أَوْ يَنتَصِرُونَ } بدفعه عن أنفسهم، وهذا سؤالُ تقريعٍ وتبكيتٍ لا يُتوقَّع له جوابٌ ولذلك قيل: { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا } أي أُلقوا في الجحيمِ على وجوهِهم مرَّةً بعد أُخرى إلى أنْ يستقرُّوا في قعرها { هُمْ } أي آلهتُهم { وَٱلْغَاوُونَ } الذين كانُوا يعبدونهم، وفي تأخير ذكرِهم عن ذكر آلهتكم رمزٌ إلى أنَّهم يؤخَّرون عنها في الكبكبةِ ليُشاهدوا سوءَ حالِها فيزدادوا غمِّاً إلى غمَّهم.