التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ
١٣٦
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ
١٣٧
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى المذكورين آخِراً باعتبار اتصافِهم بما مرَّ من الصفات الحميدةِ، وما فيه من معنى البُعد للإشعار ببعيد منزلتِهم وعلوِّ طبقتِهم في الفضل، وهو مبتدأٌ وقوله تعالى: { جَزَآؤُهُمْ } بدلُ اشتمالٍ منه وقوله تعالى: { مَغْفِرَةٌ } خبرٌ له أو جزاؤهم مبتدأٌ ثانٍ ومغفرةٌ خبر له، والجملةُ خبرٌ لأولئك، وهذه الجملةُ خبر لقوله تعالى { { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ } [آل عمران، الآية 135] الخ على الوجه الأولِ وهو الأظهرُ الأنسبُ بنظم المغفرةِ المنبئةِ عن سابقة الذنبِ في سلك الجزاءِ، إذ على الوجهين يكون قولُه تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ } الخ جملةً مستأنفةً مبـينةً لما قبلها كاشفةً عن حال كلا الفريقين المحسنين والتائبـين، ولم يُذكَرْ من أوصاف الأولين ما فيه شائبةُ الذنبِ حتى يُذكَرَ في مطلَع الجزاءِ الشاملِ لهما المغفرةُ، وتخصيصُ الإشارةِ بالآخِرين مع اشتراكهما في حكم إعدادِ الجنةِ لهما تعسُّفٌ ظاهر { مّن رَّبّهِمُ } متعلقٌ بمحذوف وقع صفةً لمغفرةٌ مؤكدةً لما أفاده التنوينُ من الفخامة الذاتيةِ بالفخامة الإضافيةِ أي كائنةٌ من جهته تعالى. والتعرضُ لعنوان الربوبـيةِ مع الإضافة إلى ضميرهم للإشعار بعلة الحُكمِ والتشريفِ { وَجَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } عطفٌ على مغفرةٌ، والتنكيرُ المُشعِرُ بكونها أدنى من الجنة السابقةِ مما يؤيد رُجحانَ الوجهِ الأول { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حالٌ مقدّرةٌ من الضمير في جزاؤهم لأنه مفعولٌ به في المعنى لأنه في قوة يجزيهم الله جناتٌ خالدين فيها، ولا مَساغَ لأن يكون حالاً من جناتٌ في اللفظ وهي لأصحابها في المعنى إذ لو كان كذلك لبرز الضمير.

{ وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } المخصوصُ بالمدح محذوفٌ أي ونعم أجرُ العاملين ذلك، أي ما ذُكر من المغفرة والجناتِ، والتعبـيرُ عنهما بالأجر المشعرِ بأنهما يُستحقان بمقابلة العمل وإن كان بطريق التفضُّل لمزيد الترغيبِ في الطاعات والزجرِ عن المعاصي، والجملةُ تذيـيلٌ مختصٌّ بالتائبـين حسبَ اختصاصِ التذيـيلِ السابقِ بالأولين وناهيك مضمونُهما دليلاً على ما بـين الفريقين من التفاوت النيِّرِ والتبايُنِ البـيِّن، شتانَ بـين المحسنين الفائزين بمحبة الله عز وجل وبـين العاملين الحائزين لأُجرتهم وعمالتِهم.

{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } رجوعٌ إلى تفصيل بقيةِ القصةِ بعد تمهيدِ مبادىءِ الرشدِ والصلاح وترتيبِ مقدماتِ الفوزِ والفلاحِ. والخلوُّ المُضِيُّ، والسننُ الوقائعُ، وقيل: الأممُ. والظرفُ إما متعلقٌ بخلَتْ أو بمحذوف وقع حالاً من سننٌ أي قد مضت من قبل زمانِكم أو كائنةً من قبلكم وقائعُ سنّها الله تعالى في الأمم المكذِّبة كما في قوله تعالى: { { وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ } [الأحزاب، الآية 61، 62] الخ، والفاءُ في قوله تعالى: { فَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذّبِينَ } للدِلالة على سببـية خلوِّها للسير والنظر أو للأمر بهما، وقيل: المعنى على الشرط: أي إنْ شككتم فسيروا الخ، وكيف خبرٌ مقدمٌ لكان معلقٌ بفعل النظر، والجملةُ في محل النصبِ بعد نزعِ الخافضِ لأن الأصلَ استعمالُه بالجار.