التفاسير

< >
عرض

فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ
١٤٨
يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ
١٤٩
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَـاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ } بسبب دعائِهم ذلك { ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا } أي النصرَ والغنيمةَ والعزَّ والذكرَ الجميلَ { وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ } الحسنُ وهو الجنةُ والنعيمُ المخلّدُ، وتخصيصُ وصفِ الحسن به للإيذان بفضله ومزيتِه وأنه المعتدُّ به عنده تعالى { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } تذيـيلٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله، فإن محبةَ الله تعالى للعبد عبارةٌ عن رضاه عنه وإرادةِ الخيرِ به، فهي مبدأٌ لكل سعادة، واللامُ إما للعهد، وإنما وُضع المُظهرُ موضِعَ ضميرِ المعهودين للإشعار بأن ما حُكيَ عنهم من الأفعال والأقوالِ من باب الإحسانِ، وإما للجنس وهم داخلون فيه دخولاً أولياً وهذا أنسبُ بمقام ترغيبِ المؤمنين في تحصيل ما حُكي عنهم من المناقب الجليلة.

{ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } شروعٌ في زجرهم عن متابعة الكفارِ ببـيان استتباعِها لخسران الدنيا والآخرة إثرَ ترغيبِهم في الاقتداء بأنصار الأنبـياءِ ببـيان إفضائه إلى فوزهم بسعادة الدارين، وتصديرُ الخطابِ بالنداء والتنبـيهِ لإظهار الاعتناءِ بما في حيِّزه، ووصفُهم بالإيمان لتذكير حالِهم وتثبـيتِهم عليها بإظهار مباينتِها لحال أعدائِهم كما أن وصفَ المنافقين بالكفر في قوله تعالى: { إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } لذلك قصداً إلى مزيد التنفيرِ عنهم والتحذيرِ عن طاعتهم، قال علي رضي الله عنه: نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمةِ: ارجِعوا إلى إخوانكم وادخُلوا في دينهم، فوقوعُ قوله تعالى: { يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ } جواباً للشرط ــ مع كونِه في قوة أن يقال: إن تُطيعوهم في قولهم: ارجِعوا إلى إخوانكم وادخُلوا في دينهم يُدخِلونكم في دينهم ــ باعتبار كونه تمهيداً لقوله تعالى: { فَتَنقَلِبُواْ خَـٰسِرِينَ } أي للدنيا والآخرة غيرَ فائزين بشيء منهما واقعين في العذاب الخالدِ على أن الارتدادَ على العقِب عَلَمٌ على انتكاس الأمرِ ومثَلٌ في الحور بعد الكور وقيل: المراد بهم اليهودُ والنصارى حيث كانوا يستَغْنونهم ويُوقِعون لهم الشُّبَه في الدين ويقولون: لو كان نبـياً حقاً لما غُلب ولمَا أصابه وأصحابَه ما أصابهم وإنما هو رجلٌ حالُه كحال غيرِه من الناس يوماً عليه ويوماً له، وقيل: أبو سفيان وأصحابُه والمرادُ بطاعتهم استئمانُهم والاستكانةُ لهم، وقيل: الموصولُ على عمومه والمعنى نهيُ المؤمنين عن طاعتهم في أمر من الأمور حتى لا يستجرّوهم إلى الارتداد عن الدين فلا حاجةَ على هذه التقاديرِ إلى ما مر من البـيان.