التفاسير

< >
عرض

وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
١٥٧
وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ
١٥٨
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ } شروعٌ في تحقيق أن ما يحذرون ترتُّبَه على الغزو والسفر من القتل والموتِ في سبـيل الله تعالى ليس مما ينبغي أن يُحذر، بل مما يجب أن يتنافسَ فيه المتنافسون إثرَ إبطالِ ترتُّبِه عليهما، واللامُ هي الموطئةُ للقسم واللام في قوله تعالى: { لَمَغْفِرَةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ } لامُ الابتداء، والتنوينُ في الموضعين للتقليل، ومِنْ متعلقةٌ بمحذوف وقع صفةً للمبتدأ، وقد حُذفت صفةُ رحمةٌ لدِلالة المذكورِ عليها، والجملةُ جوابٌ للقسم سادٌّ مسدَّ جوابِ الشرطِ والمعنى أن السفرَ والغزوَ ليس مما يجلُب الموتَ ويقدّم الأجلَ أصلاً ولئن وقع ذلك بأمر الله تعالى لنفحةٌ يسيرةٌ من مغفرة ورحمةً كائنتين من الله تعالى بمقابلة ذلك { خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } أي الكفرةُ من منافعِ الدنيا وطيّباتها مدةَ أعمارِهم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما خيرٌ من طِلاع الأرضِ ذَهَبةً حمراءَ. وقرىء بالتاء أي مما تجمعونه أنتم لو لم تموتوا، والاقتصارُ على بـيان خيريتِهما من ذلك بلا تعرّضٍ للإخبار بحصولهما لهم للإيذان بعدم الحاجةِ إليه بناءً على استحالة التخيـيبِ منه تعالى بعد الإطماعِ وقد قيل: لا بد من حذفٍ آخَرَ أي لمغفرةٌ لكم من الله الخ، وحينئذ يكون أيضاً إخراجُ المقدَّرِ مُخرَجَ الصفةِ دون الخبر لنحو ما ذُكر من ادعاء الظهورِ والغِنى عن الإخبار به، وتغيـيرُ الترتيب الواقعِ في قولهم: ما ماتوا وما قتلوا ــ المبنيِّ على كثرة الوقوعِ وقلته ــ للمبالغة في الترغيب في الجهاد ببـيان زيادةِ مزيةِ القتلِ في سبـيل الله وإنافتِه في استجلاب المغفرةِ والرحمةِ، وفيه دَلالةٌ واضحةٌ على ما مر من أن المقصودَ بالنهي إنما هو عدمُ مماثلتِهم في الاعتقاد بمضمون القولِ المذكورِ والعملِ بموجبه لا في النطق به وإضلالِ الناسِ به.

{ وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } أي على أيِّ وجهٍ اتفق هلاكُكم حسب تعلُّقِ الإرادةِ الإلٰهيةِ وقرىء مِتّم بكسر الميمِ من مات { لإِلَى ٱلله } أي إلى المعبود بالحق العظيمِ الشأنِ الواسعِ الرحمةِ الجزيلِ الإحسانِ { تُحْشَرُونَ } لا إلى غيره فيوفيكم أجورَكم ويُجزِل عطاءَكم، والكلام في لامَي الجملة كما مر في أختها.