التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٨٣
فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ
١٨٤
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ الَّذِينَ قَالُواْ } نُصِب أو رُفع على الذم، وهم كعبُ بنُ الأشرف ومالكُ بن صيفي وحُيَـيُّ بنُ أخطبَ وفنحاصُ بنُ عازوراءَ ووهْبُ بنُ يهوذا { إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا } أي أمرنا في التوراة وأوصانا { أَن لا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ } كما كان عليه أمرُ أنبـياءِ بني إسرائيلَ حيث كان يُقرَّب بالقربان فيقوم النبـيُّ فيدعو فتنزل نارٌ من السماء فتأكُله أي تُحيله إلى طبعها بالإحراق، وهذا من مُفترَياتهم وأباطيلِهم فإن أكلَ النارِ القربانَ لم يوجب الإيمانَ إلا لكونه معجزةً، فهو وسائرُ المعجزاتِ سواءٌ، ولما كان مُحصّلُ كلامِهم الباطلِ أن عدمَ إيمانِهم برسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم إتيانه بما قالوا ــ ولو تحقق الإتيانُ به لتحقق الإيمانُ ــ رُدّ عليهم بقوله تعالى: { قُلْ } أي تبكيتاً لهم وإظهاراً لكذبهم { قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ } كثيرةُ العددِ كبـيرةُ المقدار { مِّن قَبْلِى بِٱلْبَيّنَـٰتِ } أي المعجزات الواضحةِ { وَبِٱلَّذِى قُلْتُمْ } بعينه من القُربان الذي تأكله النارُ { فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي فيما يدل عليه كلامُكم من أنكم تؤمنون لرسول يأتِيكم بما اقترحتموه، فإن زكريا ويحيـى وغيرَهما من الأنبـياء عليهم الصلاة والسلام قد جاءوكم بما قلتم في معجزات أُخَرَ فما لكم لم تؤمنوا لهم حتى اجترأتم على قتلهم؟ { فَإِن كَذَّبُوكَ } شروعٌ في تسلية رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إثرَ ما أوحي إليه مما يُحزِنه عليه الصلاة والسلام من مقالات الكفرةِ من المشركين واليهود، وقوله تعالى: { فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ } تعليلٌ لجواب الشرطِ أي فتَسَلَّ فقد كُذب الخ، ومِنْ متعلقةٌ بكُذب أو بمحذوف هو صفةٌ لرسلٌ أي كائنةٌ من قبلك { جَاءوا بِٱلْبَيّنَـٰتِ } أي المعجزات الواضحةِ صفةٌ لرسلٌ { وَٱلزُّبُرِ } هو جمعُ زَبورٍ وهو الكتابُ المقصورُ على الحِكَم من زَبَرْتُه إذا حسنته، وقيل: الزُبُرُ المواعظُ والزواجرُ من زبَرتُه إذا زجَرتُه { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُنِيرِ } قيل: أي التوراةِ والإنجيلِ والزبورِ، والكتابُ في عرف القرآنِ ما يتضمن الشرائعَ والأحكامَ ولذلك جاء الكتابُ والحكمةُ متعاطِفَيْن في عامة المواقعِ، وقرىء وبالزُبُر بإعادة الجارِّ دَلالةً على أنها مغايِرةٌ بالذات للبـينات.