التفاسير

< >
عرض

لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ
٢٨
قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٩
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء } نُهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية ونحوِهما من أسباب المصادقة والمعاشرة كما في قوله سبحانه: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } [الممتحنة، الآية 1] وقولِه تعالى: { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء } [المائدة، الآية 51] حتى لا يكونَ حبهم ولا بغضهم إلا لله، أو عن الاستعانة بهم في الغزو وسائر الأمور الدينية { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } في موضع الحال أي متجاوزين المؤمنين إليهم استقلالاً أو اشتراكاً وفيه إشارة إلى أنهم الأحقاءُ بالموالاة وأن في موالاتهم مندوحةً عن موالاة الكفرة { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } أي اتخاذَهم أولياءَ، والتعبـيرُ عنه بالفعل للاختصار أو لإيهام الاستهجان بذكره { فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ } أي من ولايته تعالى { فِي شَىْء } يصِح أن يُطلق عليه اسمُ الولاية فإن موالاة المتعاديَـيْن مما لا يكاد يدخُل تحت الوقوع قال:

تودُّ عدوِّي ثم تزعُم أننيصديقُك ليس النَّوْكُ عنك بعازبِ

والجملة اعتراضية. قوله تعالى: { إِلا أَن تَتَّقُواْ } على صيغة الخطابِ بطريق الالتفاتِ استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأحوال، والعامل فعل النهي معتبَراً فيه الخطابُ كأنه قيل: لا تتخذوهم أولياءَ ظاهراً أو باطناً في حال من الأحوال إلا حال اتقائكم { مِنْهُمْ } أي من جهتهم { تُقَـٰةً } أي اتقاءً أو شيئاً يجب اتقاؤه على أن المصدر واقعٌ موقعَ المفعول فإنه يجوز إظهارُ الموالاة حينئذ مع اطمئنان النفس بالعداوة والبغضاء وانتظار زوالِ المانع من قَشْر العصا وإظهار ما في الضمير كما قال عيسى عليه السلام: كن وسَطاً وامشِ جانباً. وأصلُ (تقاة) وُقْيَةً ثم أبدلت الواو تاءً كتُخمة وتُهمة وقلبت الياء ألفاً وقرىء تُقْيةً { وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } أي ذاتَه المقدسة فإن جواز إطلاقِ لفظِ النفسِ - مراداً به الذاتُ - عليه سبحانه بلا مشاكلة مما لا كلام فيه عند المتقدمين، وقد صرح بعضُ محققي المتأخرين بعدم الجواز وإن أريد به الذات بلا مشاكلة، وفيه من التهديد ما لا يخفى عُظْمُه، وذكرُ النفس للإيذان بأن له عقاباً هائلاً لا يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } تذيـيلٌ مقرِّر لمضمون ما قبله ومحقق لوقوعه حتماً { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ } من الضمائر التي من جملتها ولايةُ الكفرةِ { أَوْ تُبْدُوهُ } فيما بـينكم { يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } فيؤاخذْكم بذلك عند مصيرِكم إليه، وتقديمُ الإخفاء على الإبداء قد مر سره في تفسير قوله تعالى: { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } [البقرة، الآية 284] وقوله تعالى: { { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } [البقرة، الآية 77] { وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } كلامٌ مستأنف غيرُ معطوف على جواب الشرط وهو من باب إيرادِ العام بعد الخاص تأكيداً له وتقريراً { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فيقدِرُ على عقوبتكم بما لا مزيدَ عليه إن لم تنتهوا عما نُهيتم عنه، وإظهارُ الاسم الجليل في موضع الإضمارِ لتربـية المهابة وتهويلِ الخطب وهو تذيـيلٌ لما قبله مبـين لقوله تعالى: { وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران، الآية 30] بأن ذاته المقدسةَ - المتميزةَ عن سائر الذوات المتصفةَ بما لا يتصف به شيء منها من العلم الذاتي المتعلقِ بجميع المعلومات - متصفةٌ بالقدرة الذاتية الشاملةِ لجميع المقدورات بحيث لا يخرُج من ملكوته شيءٌ قطُّ.